مقدمة

تُعد شخصية عبد الله بن سبأ من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في التاريخ الإسلامي، حيث يدور نقاش واسع حول وجوده الحقيقي ودوره المزعوم في الفتنة الكبرى التي أدت إلى مقتل الخليفة عثمان بن عفان، ونشأة بعض الفرق الإسلامية. يرى البعض أنه شخصية حقيقية لعبت دورًا محوريًا في الأحداث التاريخية، بينما يعتبره آخرون مجرد أسطورة أو اختلاق تاريخي لأسباب دينية أو سياسية. يهدف هذا المقال إلى تقديم تحليل شامل للآراء المختلفة حول عبد الله بن سبأ، مستعرضًا حجج المستشرقين وأتباعهم، وكذلك مواقف الشيعة المعاصرين، مع التركيز على الأدلة التاريخية والنقلية من مصادر السنة والشيعة على حد سواء.

  • أهم المقالات في موقع السقيفة:

شخصيةعبد الله بن سبأ: حقيقة مثبتة في كتب الشيعة وتناقضات من ينكرها

عبدالله بن سبأ: ونشاة فرق الغلاة والمتطرفين

أقوال العلماء والمؤرخين في عبد الله بن سبأ

أولاً: موقف المستشرقين من شخصية عبد الله بن سبأ

لقد تباينت آراء المستشرقين حول وجود شخصية عبد الله بن سبأ، وانقسموا إلى فريقين رئيسيين:

- فريق أنكر وجوده واعتبره شخصية وهمية.

- وفريق آخر أقر بوجوده كحقيقة تاريخية.

 هذا التباين يعكس التعقيد المحيط بهذه الشخصية وأهمية البحث التاريخي في تمحيص الروايات.

المستشرقون المنكرون لوجود عبد الله بن سبأ:

يرى بعض المستشرقين أن عبد الله بن سبأ شخصية وهمية، تم تخيلها من قبل محدثي القرن الثاني الهجري. من أبرز هؤلاء المستشرقين:

   "الدكتور برنارد لويس:

المستشرق اليهودي الإنجليزي المعروف، الذي شكك في وجود ابن سبأ واعتبره اختلاقًا تاريخيًا.

   "يوليوس فلهوزن":

المستشرق اليهودي الألماني، الذي تبنى نفس الرأي بإنكار وجود هذه الشخصية.

   "فريدلاندر":

 المستشرق الأمريكي الذي شارك في هذا التوجه.

   "الأمير كايتاني":

 المستشرق الإيطالي الذي ذهب إلى أن ابن سبأ شخصية غير حقيقية.

تستند حجج هؤلاء المستشرقين غالبًا إلى غياب ذكر ابن سبأ في بعض المصادر التاريخية المبكرة، أو اعتبار الروايات التي تذكره ضعيفة أو مختلقة.

المستشرقون المؤيدون لوجود عبد الله بن سبأ:

في المقابل، عارض مستشرقون آخرون الآراء السابقة، وأكدوا أن ابن سبأ حقيقة تاريخية لا يمكن إنكارها. من هؤلاء:

   "إجناس جولد صيهر":

المستشرق المجري الذي أقر بوجود ابن سبأ ودوره التاريخي.

  "دينولد ألين نيكلسن":

 الذي أيّد الرأي القائل بحقيقة وجود هذه الشخصية.

يعتمد هؤلاء المستشرقون في إثبات وجود ابن سبأ على الروايات التاريخية المتعددة التي تذكره في مصادر مختلفة، ويرون أن غياب ذكره في بعض المصادر لا ينفي وجوده في مصادر أخرى موثوقة. هذا الجدل بين المستشرقين يسلط الضوء على أهمية التحقيق والتدقيق في المصادر التاريخية عند دراسة الشخصيات والأحداث المثيرة للجدل.

ثانياً: موقف أتباع المستشرقين من شخصية عبد الله بن سبأ

تأثر عدد من المفكرين والباحثين العرب بآراء المستشرقين المنكرين لوجود عبد الله بن سبأ، وتبنوا وجهات نظر مشابهة، مستندين إلى حجج مختلفة.

 من أبرز هؤلاء:

  طه حسين:

يُعد عميد الأدب العربي، طه حسين، من أبرز من أنكروا وجود عبد الله بن سبأ، حيث قال: "إنَّ أمرَ السَّبَئيَّةِ وصاحِبِهم ابنِ السَّوداءِ إنَّما كان مُتكَلَّفًا منحولًا... فحينَ كان الجِدالُ بَيْنَ الشِّيعةِ وغَيرِهم من الفِرَقِ الإسلاميَّةِ أراد خُصومُ الشِّيعةِ أن يُدخِلوا في أصولِ هذا المذهَبِ عُنصُرًا يهوديًّا؛ إمعانًا في الكَيدِ لهم والنَّيلِ منهم" [1].

وقد استدل طه حسين على إنكاره بـ:

   "عدم ذكر البلاذري لابن سبأ":

حيث أشار إلى أن المؤرخ البلاذري لم يذكر شيئًا عن عبد الله بن سبأ أو أصحابه في قصة مقتل عثمان رضي الله عنه. ولكن هذا الاستدلال لا يعني بالضرورة أن الشخصية خيالية، فبعض المؤرخين قد يذكرون ما لا يذكره الآخرون، والبلاذري لم يلتزم بذكر جميع الوقائع والأحداث.

   "حادثة تحريق علي للذين ألهوه":

استدل أيضًا بأن هذه الحادثة لم يذكرها بعض المؤرخين ولم يؤقتوها، بل أهملوها إهمالًا تامًا. ولكن هذه الحادثة مذكورة في صحيح البخاري [2]، وفي كتب التاريخ والتراجم، وحتى في كتب الشيعة أنفسهم، مما يؤكد وقوعها.

إن وجود عبد الله بن سبأ مذكور في العديد من الروايات التاريخية بأسانيدها في كتب أهل السنة، وفي كتب التاريخ والتراجم. ولو صح التشكيك في هذه الروايات، لصح التشكيك في كل ما هو مذكور ومتواتر فيها.

اعتبر قصة ابن سبأ أقرب إلى الخرافات، ولم يذكر أي دليل يدعم رأيه هذا [3].

حامد حفني داود:

ادعى أن ابن سبأ من أعظم الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام الباحثين، وزعم أن أهل السنة افتروا قصة عبد الله بن سبأ على الشيعة واعتبروها مغمزًا يغمزون به عليهم [4]. وحامد حفني من دعاة التقريب بين السنة والشيعة. ويرد على ادعائه ما تقدم نقله من مصادر الشيعة القديمة المعتمدة عندهم، والتي أثبتت وجود عبد الله بن سبأ، وأنه هو الذي أظهر القول بالوصية والعصمة وغير ذلك مما صار فيما بعد أساسًا للمذهب الشيعي.

كامل الشيبي:

تابع الشيبي الوردي في القول بأن ابن سبأ هو عمار بن ياسر رضي الله عنه، وحاول أن يعزز ما ذهب إليه. كما تابع طه حسين في إنكار حرق علي رضي الله عنه للسبئية، فقال: "أمَّا قضيَّةُ إحراقِ عَليٍّ المزعومِ للسَّبَئيَّةِ فإنَّه خبَرٌ مختَلَقٌ من أساسِه، ولم يَرِدْ على صورةٍ فيها ثِقةٌ في كتابٍ مُعتبَرٍ من كتُبِ التَّاريخِ، ولعَلَّ أصلَ هذا الحادِثِ يتَّصِلُ بإحراقِ خالِدِ بنِ عبدِ اللَّهِ القَسريِّ بَيانًا وخمسةً من أتباعِه الغُلاةِ، ثُمَّ لمَّا تقدَّم بها الزَّمنُ زُحزِحَت الحادثةُ إلى الأمامِ قليلًا حتى اتَّصَلت بعليٍّ" [5].

إن القول بأن ابن سبأ هو عمار بن ياسر رضي الله عنه رأي يرده العقل والنقل والتاريخ. فكيف تلصق تلك العقائد التي قال بها ابن سبأ بعمار بن ياسر رضي الله عنه؟! كما أن كتب الجرح والتعديل والرجال الموثقة عند السنة والشيعة ترد هذا القول. ويكفي أن كتب الشيعة تواترت على ذكر عمار بن ياسر في أصحاب علي رضي الله عنه والرواة عنه، وفرقت بينه وبين ترجمة عبد الله بن سبأ، الذي تذكره باللعنة، وتمدح عمارًا، فكيف نجمع بين هاتين الترجمتين إن كانا نفس الشخص؟!

"المصادر":

[1] طه حسين، الفتنة الكبرى، الجزء الأول، ص. 100.

[2] صحيح البخاري، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب حكم المرتد والمرتدة، حديث رقم 6922.

[3] محمد كامل حسين، دراسات في تاريخ الحضارة الإسلامية، ص. 50.

[4] حامد حفني داود، عبد الله بن سبأ: حقيقة أم خرافة؟، ص. 75.

[5] كامل الشيبي، الصلة بين التصوف والتشيع، ص1.