ثالثاً: الشيعة المعاصرون الذين ينكرون وجود عبد الله بن سبأ

على الرغم من وجود روايات في كتب الشيعة القديمة تثبت وجود عبد الله بن سبأ، إلا أن بعض الشيعة المعاصرين قد أنكروا وجوده، واعتبروه شخصية وهمية أو أسطورية.

من أبرز هؤلاء:

محمد جواد مغنية:

يرى محمد جواد مغنية أن عبد الله بن سبأ شخصية وهمية، وأن كل من نسب إلى الشيعة ما ليس له به علم، وتكلم عنهم جهلًا وخطأً أو نفاقًا وافتراءً، قد ذكره [1].

  • أهم المقالات في موقع السقيفة:

شخصيةعبد الله بن سبأ: حقيقة مثبتة في كتب الشيعة وتناقضات من ينكرها

عبدالله بن سبأ: ونشاة فرق الغلاة والمتطرفين

أقوال العلماء والمؤرخين في عبد الله بن سبأ

 مرتضى العسكري:

زعم مرتضى العسكري أنه ناقش جميع من ذهبوا إلى وجود عبد الله بن سبأ، وخرج بنتيجة مفادها أن ابن سبأ شخصية وهمية خرافية، ابتدعها واختلقها سيف بن عمر [2]. وقد صنف كتابًا خاصًا بابن سبأ عنوانه: (عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى).

علي الوردي:

يرى علي الوردي أن ابن سبأ هو عمار بن ياسر!

استدل على ذلك بما يلي [3]:

   أن ابن سبأ كان يكنى بابن السوداء، ومثله عمار.

   أن عمارًا من أب يماني، ومعنى هذا أنه كان من أبناء سبأ، فكل يمني يصح أن يقال عنه: إنه ابن سبأ.

   أن عمارًا كان شديد الحب لعلي بن أبي طالب، ويحرض الناس على بيعته في كل سبيل.

   ما روي من أن عمارًا ذهب في أيام عثمان إلى مصر، وأخذ يحرض الناس هناك على عثمان.

واستخلص الوردي من ذلك أن ابن سبأ لم يكن سوى عمار بن ياسر! وأن قريشًا كانت تعتبر عمارًا رأس الثورة على عثمان، ولكنها لم تشأ في أول الأمر أن تصرح باسمه، فرمزت عنه بابن سبأ أو ابن السوداء، وتناقل الرواة هذا الرمز غافلين.

 وقال: "يبدو أنَّ هذه الشَّخصيَّةَ العجيبةَ اختُرِعتْ اختراعًا، وقد اختَرَعها أولئك الأغنياءُ الذين كانت الثَّورةُ مُوجَّهةً ضِدَّهم" [4].

طالب الحسيني الرفاعي:

قال في حاشيته على مقدمة محمد باقر لكتاب (تاريخ الإمامية) التي طبعت أيضًا باسم (التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية): "على أنَّه لو كان ابنُ سَبَأٍ هذا حقيقةً تاريخيَّةً ثابتةً فعلًا، فإنَّه كما سنذكُرُه مُفَصَّلًا في مبحثٍ خاصٍّ به لا صِلةَ إطلاقًا بَيْنَ أفكارِه وبينَ ما اشتمَلت عليه عقيدةُ الشِّيعةِ من الوصيَّةِ لأميرِ المُؤمِنينَ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ عليه السَّلامُ؛ لأنَّها قائمةٌ على رواياتٍ في صِحاحِ الفريقَينِ من السُّنَّةِ والشِّيعةِ، كما هي موجودةٌ أيضًا في كتُبِ الفريقَينِ في التَّفسيرِ والتَّاريخِ وأُصولِ الاعتقادِ؛ ومِن ثَمَّ فالقولُ بأنَّ التَّشيُّعَ نتيجةٌ من نتائجِ الفِكرةِ السَّبَئيَّةِ -كما يُدَّعى- رأيٌ باطِلٌ" [5].

عبد الله فياض:

أنكر وجوده في كتابه (تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة)، وهو كتاب مطعم بآراء المستشرقين، وكان المشرف عليه الدكتور قسطنطين زريق، أحد أساتذة دائرة التاريخ بالجامعة الأمريكية ببيروت. قال في كتابه: "يبدو أنَّ ابنَ سَبَأٍ كان شخصيَّةً إلى الخيالِ أقربَ منها إلى الحقيقةِ، وأنَّ دَورَه -إن كان له دَورٌ- قد بُولغَ فيه إلى درجةٍ كبيرةٍ؛ لأسبابٍ دينيَّةٍ وسياسيَّةٍ، والأدِلَّةُ على ضَعفِ قصَّةِ ابنِ السَّوداءِ كثيرةٌ" [6].

واستدل بما ذهب إليه مرتضى العسكري، وهو اتهام سيف بن عمر باختلاق هذه الشخصية، وزعم وجود تناقض ومبالغة في الروايات، وعزز موقفه برأي الوردي والشيبي.

"الرد على دعوى اختلاق سيف بن عمر لشخصية ابن سبأ":

على الرغم من أن بعض الشيعة المعاصرين يعتمدون على اتهام سيف بن عمر التميمي باختلاق شخصية عبد الله بن سبأ، إلا أن هذه الدعوى غير صحيحة. فالعديد من الروايات التي تثبت وجود عبد الله بن سبأ ليست من طريق سيف بن عمر،

وردت من طرق أخرى في كتب الحديث والتاريخ والتراجم. منها:

 "رواية أبي نعيم الأصبهاني":

"حَدَّثنا إبراهيمُ بنُ محمَّدٍ، ثنا عبدُ اللَّهِ، ثنا يوسُفُ بنُ أسباطٍ، ثنا محمَّدُ بنُ عبدِ العزيزِ التَّيميُّ الكوفيُّ، عن مغيرةَ، عن أمِّ موسى، قالت: بلَغ عَليًّا أنَّ ابنَ سَبَأٍ يُفَضِّلُه على أبي بَكرٍ وعُمَرَ، فهَمَّ عَليٌّ بقتلِه، فقيل له: أتقتُلُ رَجُلًا إنما أجَلَّك وفضَّلك؟ فقال: لا جَرَمَ لا يساكِنُني في بلدةٍ أنا فيها" [7].

  "رواية البخاري":

"حَدَّثنا أبو النُّعمانِ محمَّدُ بنُ الفَضلِ، حَدَّثنا حمَّادُ بنُ زَيدٍ، عن أيُّوبَ، عن عِكرمةَ، قال: (أُتيَ عَليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عنه بزنادقةٍ فأحرَقَهم، فبلَغَ ذلك ابنَ عبَّاسٍ، فقال: لو كنتُ أنا لم أُحرِقْهم؛ لنهيِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تُعَذِّبوا بعذابِ اللَّهِ)) ولقَتَلْتُهم؛ لقَولِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن بَدَّل دينَه فاقتُلوهـ)) [8].

 "رواية ابن أبي الدنيا":

"حَدَّثنا الحُسَينُ نا عبدُ اللَّهِ قال: حدَّثني أبي عن هشامِ بنِ محمَّدٍ عن أبي عبدِ اللَّهِ الجُعفيِّ قال: أخبَرنا عُروةُ بنُ عَبدِ اللَّهِ عن زَحْرِ بنِ قَيسٍ قال: (قال رجُلٌ يُقالُ له ابنُ السَّوداءِ مِن هَمدانَ يُقالُ له: عبدُ اللَّهِ بنُ سَبَأٍ: واللَّهِ لو رأيتُ أميرَ المُؤمِنين في قَبرِه لعَلِمتُ أنَّه لن يَذهَبَ حتى يَظهَرَ!) [9].

هذه الروايات وغيرها، التي وردت من غير طريق سيف بن عمر، تدحض دعوى اختلاقه لهذه الشخصية. والحقيقة أن ذكر ابن سبأ قد تواتر في كتب السنة والشيعة على حد سواء، واتفق القدماء من أهل السنة والشيعة على اعتبار ابن سبأ حقيقة واقعية وشخصية تاريخية.

"المصادر":

[1] محمد جواد مغنية، الشيعة في الميزان، ص. 200.

[2] مرتضى العسكري، عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى، الجزء الأول، ص. 15.

[3] علي الو3ردي، وعاظ السلاطين، ص. 180.

[4] علي الوردي، وعاظ السلاطين، ص. 185.

[5] طالب الحسيني الرفاعي، التشيع ظاهرة طبيعية في إطار الدعوة الإسلامية، ص. 50.

[6] عبد الله فياض، تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة، ص. 120.

[7] أبو نعيم الأصبهاني، حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، الجزء الأول، ص. 326.

[8] صحيح البخاري، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب حكم المرتد والمرتدة، حديث رقم 6922.

[9] ابن أبي الدنيا، مكارم الأخلاق، ص. 150.