مقدمة: شهادة من قلب التشيع
في شهادة لافتة تكشف عن أثر المنهج العلمي في كشف زيف المعتقدات، يروي الدكتور ناصر القفاري قصة لقائه بأحد أعلام العراق في التخصصات العلمية الدقيقة، الأستاذ "علاء الدين البصير"، الذي كان شيعياً ثم هداه الله إلى مذهب أهل السنة. كان من أبرز أسباب تحوله هو اطلاعه على التأويلات الباطنية التي تملأ كتب الشيعة.
جديد مقالات الثقيفة:
الخضر عند الصوفية: غلوّ في الأولياء وعقائد باطنية منحرفة
كيف أصبحت الإثنا عشرية منبعاً لفرق الغلو والزندقة؟
قم.. المدينة المقدسة عند الشيعية الصفوية
تاريخ الفرق الإسلامية وغلاة الشيعة الإثنا عشرية
يقول الأستاذ البصير: "قلت في نفسي: إذا ثبت أن هذه التأويلات موجودة في مصادرنا الشيعية... فإن ذلك يكفي دليلاً على بطلان مذهبنا". وبعد أن قام بنفسه بمقابلة النصوص في مصادرها الأصلية، أيقن أنه كان على ضلال، فترك المذهب وجنّد نفسه لكشف حقيقته.
هذه الواقعة هي خير مدخل لدراسة "التأويل الباطني"، الذي لا يعد مجرد منهج في التفسير عند الشيعة الإثني عشرية، بل هو الأصل الذي يقوم عليه كيانهم العقدي، فبدونه ينهار مذهبهم بالكامل.
تأصيل منهج التحريف: لكل آية سبعة وسبعون بطناً!
لإضفاء الشرعية على تحريف كلام الله، أسس الشيعة لمنهج "الظاهر والباطن". فقد عقد علماؤهم، كالمجلسي في "بحار الأنوار" والبحراني في "تفسير البرهان"، أبواباً خاصة بعنوان: "باب أن للقرآن ظهرًا وبطنًا"، وأوردوا تحتها عشرات الروايات.
تصل هذه الروايات إلى درجة من الغرابة لا يقبلها عقل، فعن جابر الجعفي أنه سأل أبا جعفر (الباقر) عن آية فأجابه، ثم سأله مرة أخرى فأعطاه جواباً مختلفاً تماماً. وعندما استغرب جابر، قيل له: "يا جابر: إن للقرآن بطنًا، وللبطن بطنًا وظهرًا، وللظهر ظهرًا... وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن".
بل إنهم يرفعون هذا المنهج إلى لغة الأرقام، فيزعمون أن لكل آية "سبعة وسبعون بطنًا". ويقسمون القرآن تقسيماً عجيباً فيروون: "نزل القرآن على أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدونا، وربع سنن وأمثال، وربع في فرائض وأحكام". وهكذا، يصبح كتاب الله خاضعاً لأهوائهم، يوجهونه حيث شاؤوا.
تحريف آيات القرآن والنور لتفسيرها بالأئمة
إن القاعدة الأساسية التي بنوا عليها تأويلاتهم هي أن "جل القرآن إنما نزل فيهم [الأئمة] وفي أوليائهم وأعدائهم". وبناءً على هذا الأصل، يتم ليّ أعناق النصوص الواضحة لتوافق هذا المعتقد، ولو أدى ذلك إلى العبث باللغة والعقل والشرع.
◙ قوله تعالى: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا﴾ [التغابن: 8]، مع أن السياق واضح بأن النور هو القرآن، يقولون: "النور هم الأئمة".
◙ قوله تعالى: ﴿وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ﴾ [الأعراف: 157]، يقولون: "النور: علي والأئمة". وهذا التأويل يعني أن الأئمة أنزلوا من السماء!
◙ قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: 9]، يقولون: "يهدي إلى الإمام"، وفي رواية: "يهدي إلى الولاية".
أما آية النور، فيقدمون لها تفسيراً يجمع كل أركان مذهبهم في آية واحدة، ففي قوله تعالى: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ...﴾ [النور: 35]، يقولون: المشكاة هي فاطمة، والمصباح هو الحسن، والزجاجة هي الحسين، والشجرة المباركة هي إبراهيم، و ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ﴾ أي يهدي للأئمة.
تحريف التوحيد والشرك: الشرك هو عدم ولاية علي!
لعل أخطر ما في هذا المنهج هو إعادة تعريف أصل الأصول في الإسلام: التوحيد. فكل آية تحذر من الشرك بالله، يتم تأويلها على أنها تحذير من الشرك في ولاية علي، وكل آية تأمر بعبادة الله وحده، يتم تفسيرها بأنها أمر بولاية الأئمة.
◙ قوله تعالى: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: 65]، يقولون: "لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية علي ليحبطن عملك".
◙ قوله تعالى: ﴿فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110]، يقولون: العمل الصالح هو "المعرفة بالأئمة"، وعدم الشرك هو "التسليم لعلي لا يشرك معه في الخلافة من ليس ذلك له".
◙ قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ﴾ [النساء: 48]، يقولون: "يعني أنه لا يغفر لمن يكفر بولاية علي". أما قوله: ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾، فيقولون: "يعني لمن والى عليًّا".
بهذه الطريقة، يتم تفريغ التوحيد من محتواه الحقيقي، ويصبح الإيمان والكفر والشرك يدور حول شخص "علي" والأئمة، لا حول عبادة الله وحده.
تحريف آيات الكفار لإسقاطها على الصحابة الأخيار
إن الحقد الدفين على صحابة رسول الله ﷺ، وخصوصاً الخلفاء الراشدين، هو المحرك الأساسي للكثير من هذه التأويلات. فكل آية نزلت في ذم الكفار والمنافقين، يتم تحريفها لتنطبق على أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم من خيرة الأمة.
الجبت والطاغوت:
في قوله تعالى: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ [النساء: 51]، يفسرونهما بأبي بكر وعمر.
أئمة الكفر:
في قوله تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ [التوبة: 12]، يروون عن أئمتهم أنهم طلحة والزبير.
الشجرة الملعونة:
في قوله تعالى: ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾ [الإسراء: 60]، يزعمون أنها بنو أمية.
خطوات الشيطان:
في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ [البقرة: 168]، يقولون: "وخطوات الشيطان والله ولاية فلان وفلان" (يعنون أبا بكر وعمر).
أبواب جهنم:
في قوله تعالى عن جهنم: ﴿لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ﴾ [الحجر: 44]، يروون أن الباب الأول لأبي بكر، والثاني لعمر، والثالث لعثمان، والرابع لمعاوية، وهكذا.
تحريف الآيات لتوافق عقائدهم الخاصة (المهدي، التقية، الرجعة)
لم تقتصر تحريفاتهم على الإمامة والصحابة، بل امتدت لتشمل كل عقائدهم المبتدعة، في محاولة يائسة لإيجاد دليل قرآني عليها.
المهدي المنتظر:
قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: 3]، يقولون: "من أقر بقيام القائم أنه حق".
التقية:
قوله تعالى في قصة ذي القرنين: ﴿فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾ [الكهف: 97]، يقولون: "هو التقية... وهو الحصن الحصين".
الرجعة:
قوله تعالى: ﴿وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى﴾ [الإسراء: 72]، يفسرون "الآخرة" هنا بـ "الرجعة"، في تحريف واضح وصريح لمنطق القرآن الذي يتحدث عن يوم القيامة.
خاتمة: الباطنية هي حقيقة المذهب
إن هذه الأمثلة، وهي غيض من فيض، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أننا لسنا أمام "تفسير" للقرآن، بل أمام "دين جديد" يتخذ من ألفاظ القرآن قناعاً له. وقد أدرك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حقيقة هذا المنهج، فنسب هذه التأويلات إلى "الباطنية القرامطة"، لأنه لم تكن كتب الشيعة قد طُبعت وانتشرت في عصره.
ولكن بعد أن فضحتهم مطابعهم، تبين أن هذه التأويلات الباطنية التي نسبها ابن تيمية للقرامطة، موجودة بحذافيرها في أمهات كتب الإثني عشرية المعتمدة اليوم، مثل "تفسير القمي" الذي يوثقه مرجعهم المعاصر الخوئي. وهذا يثبت أن الإثني عشرية غارقة في الفكر الباطني، وأنها لم تخدع المسلمين عبر القرون إلا بإتقانها لمبدأ "التقية".
إن أي عاقل يقرأ هذه التحريفات يدرك أنها لا تمت للقرآن بصلة، لا لغةً ولا سياقاً ولا عقلاً، وأنها أكبر دليل على بطلان المذهب الذي قامت عليه.
المصادر:
◙ الكليني، "أصول الكافي".
◙ المجلسي، "بحار الأنوار".
◙ العياشي، "تفسير العياشي".
◙ القمي، "تفسير القمي".
◙ البحراني، "البرهان في تفسير القرآن".
◙ الفيض الكاشاني، "تفسير الصافي".
◙ ابن تيمية، "مجموع الفتاوى".
◙ جولدسهير، "مذاهب التفسير الإسلامي".
◙ ناصر بن عبد الله القفاري، "مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة".
◙ كتب الرجال والتراجم (ميزان الاعتدال، تقريب التهذيب، وغيرها).