مقدمة: خريطة الفرق الإسلامية بين البقاء والفناء

إن المتأمل في تاريخ الفرق المنتسبة للإسلام يجد نفسه أمام مشهد معقد من الأفكار والمذاهب التي ظهرت ثم اختفى كثير منها، بينما بقي بعضها الآخر أو تطور إلى صور جديدة. ويمكن تقسيم هذه الفرق، من حيث بقاؤها أو انقراضها، إلى أقسام رئيسية تساعدنا على فهم الخريطة العقدية للعالم الإسلامي اليوم.

جديد مقالات الثقيفة:

التقية عند الرافضة دين ومعتقد

الخضر عند الصوفية: غلوّ في الأولياء وعقائد باطنية منحرفة

مصادر الشيعة الإثني عشرية

كيف أصبحت الإثنا عشرية منبعاً لفرق الغلو والزندقة؟

قم.. المدينة المقدسة عند الشيعية الصفوية

تاريخ الفرق الإسلامية وغلاة الشيعة الإثنا عشرية

أولاً: فرق انقرضت اسماً وبقيت عقيدة

هناك فرق لم يعد لها وجود باسمها التاريخي، لكن أفكارها وعقائدها تم استيعابها ووراثتها من قبل فرق أخرى لا تزال قائمة.

السبئية: 

هي فرقة غالية تُنسب إلى عبد الله بن سبأ، ورغم انقراض اسمها، إلا أن عقائدها في الغلو الشديد في الأئمة قد ورثتها بالكامل فرقة الشيعة الإثني عشرية.

المعتزلة:

 رغم اختفاء اسمها كفرقة مستقلة، إلا أن أصولها العقلانية في تأويل الصفات والقول بالقدر (خلق الأفعال) لا تزال حية ومؤثرة في عقائد فرق أخرى مثل الزيدية، والإباضية، والشيعة الإثني عشرية.

المرجئة والجهمية:

 كذلك، فإن أفكار الإرجاء (فصل العمل عن الإيمان) والجهمية (نفي الصفات) لم تمت تماماً، بل وجدت طريقها إلى بعض التيارات الفكرية والكلامية المتأخرة.

ثانياً: فرق انقرضت اسماً وعقيدة

هذه فرق تلاشت تماماً من التاريخ، ولم يعد لها أتباع أو وجود فكري يذكر.

الكيسانية:

 أتباع محمد بن الحنفية، كانت في وقتها من أكبر فرق الشيعة، لكنها انقرضت تماماً.

الفطحية:

 أتباع عبد الله بن جعفر الصادق، وهي فرقة لم تعمر طويلاً وانقرضت.

الغرابية: فرقة غالية زعمت أن جبريل أخطأ في الرسالة وأنزلها على محمد ﷺ بدلاً من علي، وهي عقيدة كفرية لم تجد من يتبناها فاختفت.

الهشامية:

 أتباع هشام بن الحكم الذين قالوا بالتجسيم الصريح، وقد اندثرت هذه الفرقة أيضاً.

ثالثاً: فرق انقرضت عقيدة وبقيت اسماً (مع التحول)

هذا مثال فريد ينطبق على مصطلح "الشيعة" نفسه.

الشيعة الأولى (المفضِّلة):

 في القرون الأولى، كان مصطلح "الشيعة" يطلق أحياناً على من يفضلون علياً على عثمان رضي الله عنهما، مع تقديمهم لأبي بكر وعمر.

لكن عندما استولت فرق الغلاة والروافض على هذا الاسم، تركه هؤلاء الأوائل واكتفوا بالانتساب إلى "أهل السنة والجماعة". وبذلك، انقرضت عقيدة "التشيع المعتدل" الأول، وبقي الاسم "الشيعة" ليصبح لقباً حصرياً للروافض الغلاة.

رابعاً: فرق بقيت اسماً وعقيدة

وهي الفرق التي لا يزال لها وجود معاصر تحتفظ فيه باسمها وعقائدها الأساسية، مثل الخوارج (الإباضية)، والإسماعيلية، والزيدية، والإثني عشرية.

الشيعة الإثنا عشرية: المستودع الأكبر لعقائد الغلاة

عند دراسة تاريخ الفرق الشيعية على وجه الخصوص، نلاحظ ظاهرة لافتة وهي كثرة تشعبها وتفرقها، حتى إن بعض علمائهم زعم أن حديث افتراق الأمة إلى 73 فرقة ينطبق على فرق الشيعة وحدها!

لكن الحقيقة الأخطر التي كشفتها مصادرهم المطبوعة حديثاً هي أن فرقة "الإثني عشرية" لم تكن مجرد فرقة بجانب الفرق الأخرى، بل أصبحت هي "المستودع" الذي تجمعت فيه عقائد كل فرق الغلو الشيعية التي بادت عبر التاريخ. فما من عقيدة غالية نادت بها فرقة منقرضة إلا ونجد لها أصلاً ودليلاً في مصادر الإثني عشرية المعتمدة اليوم.

ولنستعرض بعض الأمثلة على هذه الحقيقة:

وراثة عقيدة الباطنية في تحريف القرآن

نسب شيخ الإسلام ابن تيمية القول بتحريف القرآن ونقصانه إلى "الباطنية القرامطة". لكن بعد انتشار كتب الإثني عشرية، وجدنا أن هذه العقيدة الكفرية متواترة في مصادرهم، حيث يزعمون وجود أكثر من ألفي رواية تدعي أن القرآن الذي بين أيدينا محرف وناقص. وهذا يثبت أن الإثني عشرية قد ورثت أخطر عقائد الباطنية، إن لم تكن هي الباطنية نفسها تحت قناع التقية.

إحياء عقيدة السبئية في تأليه الأئمة

ورثت الإثني عشرية عقائد السبئية في الغلو، فأضفت على أئمتها صفات لا تليق إلا بالله، مثل علم الغيب المطلق، والقدرة على تدبير الكون، والعصمة المطلقة من السهو والخطأ. وقد عقدوا في كتبهم أبواباً لتأسيس هذا الغلو، حتى قال أحد "آياتهم" المعاصرين في مدح علي رضي الله عنه:

أبا حسن أنت عين الإله ... وعنوان قدرته السامية وأنت المحيط بعلم الغيوب ... فهل عندك تعزب من خافية؟ لك الأمر إن شئت تنجي غداً ... وإن شئت تسفع بالناصية

إحياء عقيدة "البداء" اليهودية الأصل

البداء هو نسبة الجهل إلى الله، والقول بأنه يغير رأيه بعد أن يظهر له شيء لم يكن يعلمه. وهي عقيدة يهودية الأصل، وقد تبنتها بعض فرق الغلاة كالمختارية. ورغم كفريتها، فقد تبنتها الإثني عشرية وجعلتها من أصول دينها، فرووا في كتبهم: "ما عبد الله بشيء مثل البداء"، و "ما بعث الله نبيًا قط إلا... بأن يقر لله بالبداء".

إحياء عقيدة "الرجعة" السبئية

الرجعة هي الاعتقاد بعودة الأموات إلى الدنيا قبل يوم القيامة. وهي من أصول عقيدة ابن سبأ اليهودي، وتعتبر من مراتب الغلو. ومع ذلك، جعلتها الإثني عشرية من ضروريات مذهبها، فرووا: "ليس منا من لم يؤمن بكرتنا (رجعتنا)"، وأجمع علماؤهم على أنها حق.

إحياء عقيدة تفضيل الأئمة على الأنبياء

أجمع علماء المسلمين على كفر من يفضل الأئمة على الأنبياء. ورغم ذلك، فإن هذه العقيدة من أساسيات المذهب الإثني عشري، وقد عقدوا لها أبواباً في كتبهم، وألفوا فيها مؤلفات مستقلة، واعتبرها مرجعهم المعاصر "الخميني" من أصول مذهبه.

خاتمة: تطور نحو الغلو.. واعتراف من أهل البيت

إن هذه الأدلة وغيرها الكثير تثبت أن التشيع الإثني عشري هو "زبدة الحركات الشيعية الغالية كلها"، كما اعترف بذلك بعض باحثيهم. وقد أشار أحد كبار علمائهم المعاصرين في علم الرجال، وهو عبد الله الممقاني، إلى هذا التطور نحو الغلو، فاعترف بأن ما كان يُعد "غلواً" عند الشيعة القدماء (مثل نفي السهو عن الأئمة أو علمهم بالغيب)، أصبح اليوم من "ضروريات مذهب التشيع".

وهذا الاعتراف الخطير يفسر لماذا أصبح المذهب أكثر تطرفاً وانحرافاً بمرور الزمن، ولماذا يتبنى اليوم تحالفات مع أشد الفرق كفراً وزندقة كالنصيرية.

إن السبيل الوحيد لخلاصهم هو إعلان البراءة التامة من هذه المصادر التي جمعت ظلمات الكفر والغلو، والعودة إلى ينابيع الإسلام الصافية: الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.

المصادر:

 ابن خلدون، "تاريخ ابن خلدون".

 الأشعري، "مقالات الإسلاميين".

 الشهرستاني، "الملل والنحل".

 البغدادي، "الفرق بين الفرق".

 الكليني، "أصول الكافي".

 المجلسي، "بحار الأنوار".

 ابن بابويه القمي (الصدوق)، "الاعتقادات" و "من لا يحضره الفقيه".

 المفيد، "أوائل المقالات".

 ابن تيمية، "منهاج السنة النبوية" و "الصارم المسلول".

 عبد الله الممقاني، "تنقيح المقال في علم الرجال".

 مصطفى الشيبي، "الصلة بين التصوف والتشيع".

 محب الدين الخطيب، "هامش المنتقى من منهاج الاعتدال".