مقدمة: أساس كل مذهب في مصادره
لا يمكن فهم أي مذهب أو الحكم عليه أو تصور إمكانية إصلاحه دون الرجوع إلى أصوله التي قام عليها، وهي مصادر التلقي. فمن هذه المصادر تنبثق العقائد، ومن العقائد يتشكل السلوك. وفي حالة المذهب الشيعي الإثني عشري، الذي تحكم به إيران اليوم، نجد أن دستورها الرسمي ينص في مادته الثانية على اعتماد ما يسمى بـ "سنة المعصومين"، وهي تلك الروايات المنسوبة للأئمة الاثني عشر، والتي تم جمعها في كتب أصبحت هي المرجع الأساسي لدينهم.
ومؤخراً، ظهرت دعوات إعلامية عن نية بعض مراجع الشيعة في إيران القيام بحركة "تصحيحية"، تبدأ بتنقيح أحد أضخم مصادرهم، وهو كتاب (بحار الأنوار) للمجلسي، وحذف الروايات التي تتضمن سب الصحابة وتكفير أهل السنة. فهل هذه الدعوة جادة؟ وهل يمكن حقاً تصحيح هذه المصادر؟
جديد مقالات الثقيفة:
الخضر عند الصوفية: غلوّ في الأولياء وعقائد باطنية منحرفة
كيف أصبحت الإثنا عشرية منبعاً لفرق الغلو والزندقة؟
قم.. المدينة المقدسة عند الشيعية الصفوية
تاريخ الفرق الإسلامية وغلاة الشيعة الإثنا عشرية
هل يمكن تصحيح ما لا يقبل التصحيح؟
إن الإجابة على هذا السؤال تتطلب نظرة فاحصة على طبيعة هذه المصادر. فالمشكلة ليست في رواية ضعيفة هنا أو هناك، بل في أساس هذه الكتب التي بنيت على جمع واستيعاب كل ضلالات الفرق الشيعية الغالية التي ظهرت عبر التاريخ.
• فمن السبئية، ورثوا عقيدة تأليه الأئمة.
• ومن الكيسانية، أخذوا عقيدة "البداء" التي تنسب الجهل إلى الله، وجعلوها من أصول الدين، حتى رووا في مصادرهم: (مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِثْلِ الْبَدَاءِ).
• ومن الهشامية واليونسية وغيرهم من فرق الغلاة، استوعبوا كل آرائهم المتطرفة.
إن هذه المصادر هي الحاجز الأكبر الذي يقف في طريق هداية أي باحث عن الحق من الشيعة. وقد أدرك هذه الحقيقة كل من حاول التحاور معهم بصدق، مثل الشيخ موسى جار الله، آخر شيخ للإسلام في روسيا، الذي كان يدعو للتقريب معهم، لكنه عندما اطلع على مصادرهم في إيران والعراق صُدم بما فيها من كفر وضلال، وأعلن أنه لا جدوى من أي تقريب ما لم يتبرأ الشيعة من هذه الكتب التي تطعن في القرآن والسنة والصحابة.
وكذلك فعل علامة الشام الشيخ محمد بهجة البيطار، الذي بعد أن يئس من إمكانية إصلاحهم، قال لهم بوضوح: "لنتفق جميعاً على أن لكلٍّ دينَه ومعتقدَه، ولنتعاون فيما بيننا كما تتعاون الدول المختلفة الأديان والعقائد".
"بحار الأنوار": نموذج فاضح لا استثناء
إن الادعاء بالبدء بتصحيح كتاب (بحار الأنوار) هو أقرب إلى الدعاية الإعلامية التي تمارس تحت ستار "التقية". فلو كانوا صادقين، لكان الأولى بهم أن يبدأوا بصنمهم الأكبر وأهم مصادرهم على الإطلاق، وهو كتاب (الكافي) للكليني، الذي ملأه صاحبه بروايات تحريف القرآن، وصرح بأنه يعتقد بكل ما فيه.
ثم إن (بحار الأنوار) ليس سوى واحد من منظومة واسعة من المصادر المعتمدة التي يسمونها "صحاح الإمامية الثمانية"، وهي:
الكتب الأربعة المتقدمة:
الكافي، التهذيب، الاستبصار، ومن لا يحضره الفقيه.
الكتب الأربعة المتأخرة:
الوافي، بحار الأنوار، الوسائل، ومستدرك الوسائل.
وقد صرح علماؤهم المعاصرون بأن الشيعة "مجمعة على اعتبار الكتب الأربعة، وقائلة بصحة كل ما فيها من روايات". فكيف يمكن تصحيح كتاب واحد وترك المنظومة كلها التي تعج بنفس الضلالات؟
إن كتاب (بحار الأنوار) للمجلسي (ت 1111هـ) هو بحق "بحار من الظلمات"، وقد اعتبره علماؤهم "المرجع الوحيد في تحقيق معارف المذهب". وقد جمع فيه مؤلفه من الطعن في الإسلام والقرآن والصحابة ما يندى له الجبين، ومن ذلك:
القول بتحريف القرآن:
حيث يرى المجلسي أن روايات التحريف متواترة، وأن طرحها يستلزم رفع الاعتماد عن كل رواياتهم، بما فيها روايات الإمامة.
تكفير الصحابة:
حيث يصف الخلفاء الثلاثة بأنهم "غاصبون جائرون مرتدون عن الدين، لعنة الله عليهم".
التأويل الباطني:
حيث يمتلئ الكتاب بأبواب تحرف معاني القرآن بشكل كامل، فتجعل الصلاة والزكاة والحج هي الأئمة، وتجعل الكفر والشرك والجبت والطاغوت هم أعداء الأئمة.
الأسانيد الواهية: بناء بلا أساس
إذا كانت المتون كارثية، فإن الأسانيد التي يزعمونها أشد كارثية. فهم يعترفون بأن كثيراً من كتبهم ورواياتهم منقطعة السند، وأنها وصلت إليهم بعد موت رواتها الذين كتموها "تقية". يقول الشيخ موسى جار الله معلقاً: "نرى أن التقية جُعلت وسيلة إلى وَضْعِ الكتب".
كما يعترف شيخ طائفتهم الطوسي بأن "كثيراً من مصنفي أصحابنا ينتحلون المذاهب الفاسدة"، ومع ذلك يقول إن كتبهم معتمدة! فهم يعملون بروايات "الفطحية" و"الواقفية" الذين يعتبرونهم كفاراً.
ولم يكن لديهم علم للجرح والتعديل، ولم يبدأوا بمحاولة وضع أسانيد وتقسيم الحديث إلا في القرن السابع الهجري، بعد نقد شيخ الإسلام ابن تيمية لهم. وقد اعترف عالمهم الحر العاملي بأن هذا الاصطلاح الجديد عندهم مأخوذ من كتب أهل السنة، وأن الهدف منه كان "دفع تعيير العامة [أهل السنة] الشيعةَ بأن أحاديثهم غير معنعنة".
وحتى بعد أن وضعوا هذا العلم، فهو قائم على التناقض، فلا تجد راوياً إلا وفيه مدح وذم، وتوثيق وتكفير في آن واحد. فراويهم الأشهر زرارة بن أعين، تروي كتبهم عن جعفر الصادق أنه قال فيه مرة: "لولا زرارة لاندرست أحاديث أبي"، وقال فيه مرة أخرى: "لعن الله زرارة... زرارة شر من اليهود والنصارى". ثم يحلون هذا التناقض بكلمة "التقية" السحرية.
خاتمة: لا تصحيح إلا بالبراءة
إن الحقيقة التي لا مفر منها هي أن المذهب الشيعي الإثني عشري، كما هو مدون في مصادره المعتمدة، هو وريث ومستقر لكل انحرافات الفرق الغالية والباطنية.
وقد اعترف بذلك باحثوهم المعاصرون، حيث قال أحدهم: "التشيع الحالي إنما هو زبدة الحركات الشيعية كلها... وقام بعملية المزج متكلمو الشيعة ومصنفوها".
لذلك، فإن أي دعوة للتصحيح لا تبدأ بإعلان البراءة الكاملة من هذه المنظومة المظلمة، وكسر هذه الأصنام الفكرية، والعودة الصادقة إلى مصادر الإسلام النقية المتمثلة في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ بفهم سلف الأمة، هي مجرد دعاية إعلامية وممارسة جديدة للتقية التي أتقنوها عبر القرون.
المصادر:
• الدستور الإيراني.
• الكليني، "الكافي".
• المجلسي، "بحار الأنوار" و "مرآة العقول".
• الطوسي، "الفهرست".
• الحر العاملي، "وسائل الشيعة".
• الفيض الكاشاني، "الوافي".
• ابن بابويه القمي (الصدوق)، "الاعتقادات".
• المفيد، "أوائل المقالات".
موسى جار الله، "الوشيعة في نقد عقائد الشيعة".
• محمد بهجة البيطار، "الإسلام والصحابة الكرام بين السنة والشيعة".
• علي السالوس، "فقه الشيعة الإمامية ومواضع الخلاف بينه وبين المذاهب الأربعة".
• مصطفى الشيبي، "الصلة بين التصوف والتشيع".