شهد التاريخ الشيعي الصفوي سلسلة من التحولات الخطيرة في المفاهيم الدينية، أبرزها ما يمكن تسميته بـ"نقل القداسة" من الأماكن التي عظّمها الله تعالى كمكة والمدينة إلى أماكن اختارها أئمتهم ومنظّروهم لأغراض مذهبية وسياسية. هذه العملية لم تكن عبثية، بل كانت مدروسة، وممهدة بنصوص ملفقة، وقصص مكذوبة، وتأويلات باطنية.

جديد مقالات الثقيفة:

التقية عند الرافضة دين ومعتقد

الخضر عند الصوفية: غلوّ في الأولياء وعقائد باطنية منحرفة

مصادر الشيعة الإثني عشرية

كيف أصبحت الإثنا عشرية منبعاً لفرق الغلو والزندقة؟

قم.. المدينة المقدسة عند الشيعية الصفوية

تاريخ الفرق الإسلامية وغلاة الشيعة الإثنا عشرية

 

الخطوة الأولى: قم ومرحلة المشاركة

بدأت هذه الرحلة من الكوفة، فقد ورد في كتبهم قول منسوب لجعفر الصادق: (الكوفة يا أبا بكر هي الزكية، الطاهرة، فيها قبور النبيين والمرسلين، والأوصياء الصادقين)، وجعلوا للكوفة حرمة تقابل حرمة مكة والمدينة، بل فضلوها في بعض الروايات. ثم جاء قول آخر: (ألا إن لله حرماً وهو مكة... ألا إن لرسول الله حرماً وهو المدينة.. ألا إن لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة.. ألا إن حرمي وحرم ولدي من بعدي قم).

ويُروى أنهم اعتبروا قم واحدة من أربعة أماكن ضجت إلى الله من الغرق أيام الطوفان: (البيت المعمور، فرفعه الله إليه، والغري، وكربلاء، وطوس).

الخطوة الثانية: قم ومرحلة التبديل

في هذه المرحلة، جرى استبعاد الحرمين الشريفين تماماً، وتم تقديم مدينة قم باعتبارها مركز النور والحق، فنقلوا عن جعفر الصادق: (ستخلو الكوفة من المؤمنين، ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في حجرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم). بل قالوا: (سيأتي زمان تكون قم وأهلها حجة على الخلائق)، وهنا يُكتمل مخطط التحويل، فلم تعد مكة قبلة الأرواح والقلوب، بل أصبحت قم هي الحجة.

الخطوة الثالثة: قم ومرحلة التقديس

هذه هي الذروة، حيث أُضفيت على قم صفات تجعلها تفوق الحرمين الشريفين، وجُعلت ملاذًا ووسيلة للغفران والنجاة من النار.

ومن هذه النصوص ما رُوي عن علي بن موسى الرضا أنه قال: (إن بخراسان لبقعة يأتي عليها زمان تصير مختلف الملائكة... من زارني في تلك البقعة كان كمن زار رسول الله، وكتب الله له ثواب ألف حجة مبرورة وألف عمرة مقبولة).

وجاء عن جعفر الصادق أيضًا:

(احتج الله ببلدة قم على سائر البلاد، وبأهلها على جميع أهل المشرق والمغرب)، حتى قال علي بن أبي طالب عن قم: (بها موضع قدم جبريل... ومن ذلك الموضع يخرج كبش إبراهيم، وعصا موسى، وخاتم سليمان).

وتتوالى الروايات التي تشير إلى أن أهل قم لا يُحاسبون يوم القيامة كغيرهم، وأنهم يحشرون من قبورهم إلى الجنة مباشرة، بل إن للجنة ثمانية أبواب، ثلاثة منها إلى قم!

النتائج الخطيرة لهذا التحريف:

تبرير الإساءة للحرمين:

 من يعتقد أن البركة والغفران في قم، لن يتورع عن الاعتداء على مكة والمدينة. وهو ما حدث مراراً عبر التاريخ، منها:

•   مقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على يد مجوسي في محراب النبي ﷺ.

•  هجوم إسماعيل بن يوسف عام 201هـ على الحرمين.

•  سرقة الحجر الأسود من قبل القرامطة عام 317هـ.

•  تلويث الكعبة بالعذرة عام 1087هـ.

•  تنسيق الصفويين مع البرتغاليين لاحتلال الحرمين.

•  تهريب المتفجرات مع الحجاج الإيرانيين عام 1985م.

صناعة البديل العقدي:

 بنقل القداسة إلى قم، صارت المدينة رمزًا لعقيدة الولي الفقيه، ومصدرًا للشرعية، ومركزًا للمرجعية، مما أدى إلى قطع الصلة بين المسلمين وتاريخهم الديني الحقيقي.

إضعاف مكانة الحرمين:

 بالتشكيك في قداستهما، وباستبدال رمزيتهما، أصبح الحرم المكي والنبوي في الهامش العقائدي لبعض الشيعة الصفويين.

الرد العقائدي:

قال الله تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 96).

 ولم يثبت في القرآن أو السنة أن هناك مكانًا يُضاهي مكة في القدسية، ولا أن فضلًا لأرض على أخرى سوى ما ثبت شرعًا.

أما جعل أماكن أخرى حجة على الناس، وإضفاء صفات خرافية عليها، فهو من التحريف والدجل.

خاتمة:

إن ما فعله الشيعة الصفويون بنقلهم القداسة إلى قم ليس إلا مشروعًا سياسياً بلباس ديني، يهدف إلى بناء شرعية بديلة، وتاريخ ديني موازٍ، يجعل من إيران مركز الإسلام، ومن قم موضع الحنيفية.

وهو ما يخالف النصوص الشرعية، والإجماع الإسلامي، والعقل السليم.

قال تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ (الأعراف: 3).

المصادر:

   الفصول المهمة، الحر العاملي، باب 94.

   بشارة المؤمنين (فارسي)، قوام.

   تهذيب الأحكام، الطوسي.

   بحار الأنوار، المجلسي.