تُعد مسألة تفسير قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ﴾ من المواضيع التي تناولها علماء التفسير والعقيدة، لما فيها من بيان عظمة الخالق سبحانه وتعالى في خلق السماوات.
وقد ورد في كلام أهل السنة قولان معتبران في معنى الاستواء هنا، كلاهما مستند إلى لغة العرب التي نزل بها القرآن، ومبني على فهم السلف الصالح.
في هذا المقال نستعرض هذين القولين، مع بيان وجه كل منهما وأمثلته من القرآن الكريم، وفق ما ذكره الإمام ابن عثيمين في القواعد المثلى.
السؤال:
كيف يفسر أهل السنة قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ دون الوقوع في التأويل الباطل أو التشبيه، وما المعنى الصحيح لكلمة "استوى" هنا وفق لغة العرب ومنهج السلف؟
مقالات ذات صلة:
آية التطهير: في ضوء تفسيرات الألوسي والشوكاني
التفسير الشيعي لآية ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾
الجواب: أن لأهل السنة في تفسيرها قولين:
أحدهما: أنها بمعنى ارتفع إلى السماء. وهو الذي رجحه ابن جرير قال في تفسيره بعد أن ذكر الخلاف: (وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ}: علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته، وخلقهن سبع سماوات) اهـ.
وذكره البغوي في تفسيره قول ابن عباس وأكثر مفسري السلف، وذلك تمسكا بظاهر لفظ {اسْتَوَى}، وتفويضا لعلم كيفية هذا الارتفاع إلى الله عز وجل.
القول الثاني: أن الاستواء هنا بمعنى القصد التام. وإلى هذا القول ذهب ابن كثير في تفسير سورة البقرة، والبغوي في تفسير سورة فصلت، قال ابن كثير: (أي: قصد إلى السماء، والاستواء هاهنا ضُمِّنَ معنى القصد والإقبال، لأنه عدي بإلى).
وقال البغوي: (أي: عمد إلى خلق السماء).
وهذا القول ليس صرفا للكلام عن ظاهره، لأن الفعل {اسْتَوَى} اقترن بحرف يدل على الغاية والانتهاء، فانتقل إلى معنى يناسب الحرف المقترن به.
ألا ترى إلى قوله تعالى: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} حيث كان معناها يَروَى بها عباد الله، لأن الفعل {يَشْرَبُ} اقترن بالباء فانتقل إلى معنى يناسبها وهو يروى، فالفعل يُضَمَّن معنى يناسب معنى الحرف المتعلق به ليلتئم الكلام.
القواعد المثلى ص 69