رأيت ربي في صورة شاب له وفرة

يُعدّ حديث «رأيت ربي في صورة شاب له وفرة» من النصوص التي كثر حولها الجدل بين المحدثين والفرق المخالفة، حيث استغلّه بعض أهل الأهواء للتشنيع على أهل السنة أو للطعن في إثبات الرؤية، مع أن التحقيق العلمي يثبت أن الحديث صحيح من حيث أصل الرؤية، أما الزيادة التي تتضمن وصفًا لا يليق بجلال الله تعالى فهي منكرة ضعيفة لا تصح. هذا المقال يتناول دراسة سند الحديث ومتون رواياته، مع بيان موقف أئمة الحديث كالإمام أحمد، وابن حبان، والذهبي، وابن حجر، وبيان تدليس بعض الروافض في إيراد النصوص 

مقالات ذات صلة:

تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ على منهج أهل السنة

آية التطهير: في ضوء تفسيرات الألوسي والشوكاني

التفسير الشيعي لآية ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ 

 

الرواية:

روى الطبراني في كتاب السنة «حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا أبي حدثنا الأسود بن عامر وحدثنا محمد بن محمد بن عقبة الشيباني الكوفي حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا عفان حدثنا عبد الصمد بن كيسان وحدثنا محمد بن صالح بن الوليد النرسي حدثنا عيسى بن شاذان حدثنا إبراهيم بن أبي سويد الدراع قالوا حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله e: «رأيت ربي في صورة شاب له وفرة» قال الطبراني سمعت أبا بكر بن صدقة يقول سمعت أبا زرعة الرازي يقول حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس في الرؤية صحيح رواه شاذان وعبد الصمد بن كيسان وإبراهيم بن أبي سويد لا ينكره إلا معتزلي».

قلت: الرواية عن ابن عباس روايتان. إحداهما الرؤية فقط من دون تفصيل وهي صحيحة. والرواية الأخرى المتضمنة وهي رواية موضوعة. أوردها السيوطي في (اللآلئ المصنوعة1/36).

والشيخ ملا علي قاري (المصنوع في معرفة الموضوع1/102).

وإيرادها في كتابين اختصا بذكر الموضوع يدل على أنه أريد بيان وضعها.

وأما ما ورد في المنتخب من كتاب العلل الخلال (ص283 رقم182) وهو ما نصه:

«أخبرنا المروذّي قال قرىء على أبي عبد الله شاذان: ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن محمدا رأى ربه. قلت إنهم يقولون ما رواه غير شاذان. فقال بلى قد كتبته عن عفان.

وقرىء على أبي عبد الله عفان ثنا عبد الصمد بن كيسان ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله e «رأيت ربي». 

قلت: أما الرواية الصحيحة عن ابن عباس فهي التي اقتصرت على الرؤية بدون الزيادة الشنيعة. فتنبه من تدليس الرافضة. وعلى هذا يُحمل غضب أحمد بن حنبل حين قيل له «إنهم يقولون قتادة لم يسمع من عكرمة قال: هذا لا يدري ما الذي قال! وغضب وأخرج إليَّ كتابه فيه أحاديث مما سمع قتادة عن عكرمة، فإذا ستة أحاديث (سمعت عكرمة). وقال أبو عبد الله: قد ذهب من يحسن هذا، وعجب من قوم يتكلمون بغير علم، وعجب من قول من قال لم يسمع وقال سبحان الله فهو قدم إلى البصرة فاجتمع عليه الخلق».

وأما هذه الزيادة التي من طريق ابن عباس فهي زيادة منكرة لا تصح.

فقد أخرج هذا الحديث الإمام أحمد في المسند (1/285) وكذلك ابنه عبد الله في السنة (2/484) وابن أبي عاصم في كتاب السنة (1/188) بدون هذه الزيادة المنكرة وأما ابن أبي عاصم فقد رواها في السنة (1/191) من طريق أسود بن عامر عن حماد به بهذه الزيادة المنكرة وحذفها من المتن وقال «وذكر كلاما» كما فعل برواية أم الطفيل حيث حذف القدر المنكر منها. وقد أنكره الامام أحمد وابن حبان والذهبي وابن حجر وقد أخرج ابن أبي عاصم الروايتين عن أم الطفيل (رقم 471) وعن ابن عباس (رقم440) وحذف من الروايتين جميعا هذا الكلام المنكر.

فلا يظهر أن النص الذي عرض على أحمد هنا هو هذا المنكر الذي فيه لفظ شاب له وفرة. ويحتمل أن الذين صححوا هذا الحديث لم يصححوا منه إلا القدر المعروف بدون الزيادة المنكرة التي فيه. فلم يذكرها أحد منهم ولم يصححوها كذلك. ومن هنا دخل الرافضة ودلسوا ألبسوا على الناس. بينما هذه الزيادة المنكرة لم تأت والله أعلم إلا من طريق الأسود بن عامر عن حماد ورواها معه يحيى بن كثير العنبري البصري ولكن الراوي عنه هو ابنه الحسن وهو ضعيف وأما عفان بن مسلم وعبد الصمد بن كيسان فلم يرويا هذه الزيادة المنكرة عن حماد بن سلمة.

ويبقى أن حديث ابن عباس صحيح لا ريب فيه بدون الزيادة الضعيفة ثابتا.

وكتاب السنة لا يزال مخطوطا ويحتاج إلى تحقيق علمي في إخراجه. ولذلك نقله الرافضة عن كتاب (اللآلئ المصنوعة1/29) للسيوطي وهو كتاب مختص في ذكر الأحاديث الموضوعة المكذوبة على رسول الله e.

ثم قد تقدم أن هذا الحديث محمول على الرؤيا المنامية موافقة للطرق الأخرى. وهذا ما اكده اهل العلم. فقد ذكره ابن الجوزي في سياق كلامه عن رؤيا الوهم التي يمكن أن تقع حتى للأنبياء.