يطرح هذا المقال مناقشة علمية لأحد الأحاديث التي يكثر الاستدلال بها في الجدل المذهبي، وهو حديث "كتاب الله وعترتي أهل بيتي"، مع التركيز على بيان المعنى اللغوي والشرعي لكلمة الخليفة والوصية، وربط ذلك بالنصوص القرآنية والآثار التاريخية، ليتضح الفرق بين الخلافة بمعنى الحكم السياسي، وبين الخلافة بمعنى الاستخلاف في الأرض أو الوصية بالرعاية والاهتمام. ويناقش المقال سياقات قرآنية مثل استخلاف قوم عاد، وأقوال الإمام علي رضي الله عنه في نهج البلاغة، والنصوص الواردة عند الإمامية في الوصية بأهل البيت والأنصار معاً، مما يبين أن المراد بالوصية هو الرعاية والتوقير، لا الإمامة السياسية 

مقالات السقيفة ذات صلة:

مظاهر الشرك في العقيدة الشيعية وأثرها على التوحيد

شبهة حديث: نعم المذكر المسبحة

إثبات كفر أبي طالب من كتب الشيعة

شبهة أن ابن عمر كان يقول في الآذان حي على خير العمل

فقد ورد في القران الكريم ان الله تعالى قد جعل قوم عاد خلفاء، حيث قال سبحانه: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأعراف: 69]، فهل نصب الله تعالى قوم عاد خلفاء؟!!!، وقال تعالى مخاطبا الناس: ﴿أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [النمل: 62]، فهل كان هؤلاء جميعا خلفاء بتنصيب الهي؟!!!.

ولقد ورد في كتب الامامية ان الإمارة لو كانت في أحد فان الوصية لا تكون فيه، "ففي نهج البلاغة": ومن كلام له (عليه السلام) في معنى الأنصار.

قالوا: لمّا انتهت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنباء السقيفة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال (عليه السلام): ما قالت الانصار؟

قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير.

قال (عليه السلام): فَهَلاَّ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْهِمْ: بِأَنَّ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) وَصَّى بِأَنْ يُحْسَنَ إِلَى مُحْسِنِهمْ، وَيُتَجَاوَزَ عَنْ مُسِيئِهِمْ؟

قالوا: وما في هذا من الحجّة عليهم؟

فقال (عليه السلام): لَوْ كَانَتِ الامارة فِيهمْ لَمْ تَكُنِ الْوَصِيَّةُ بِهِمْ.

ثم قال: فَمَاذَا قَالَتْ قُرَيْشٌ؟

قالوا: احتجت بأَنها شجرة الرسول (صلى الله عليه وآله).

فقال (عليه السلام): احْتَجُّوا بِالشَّجَرَةِ، وَأَضَاعُوا الَّثمَرَةَ"

نهج البلاغة الشريف الرضي ج 1 ص 116

فقد اكد علي رضي الله عنه ان الامارة لو كانت في الانصار لم تكن الوصية بهم، ولقد ورد عند الامامية ان وصية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كانت بأهل البيت، والانصار.

 ففي امالي المفيد:

أخبرني أبو حفص عمر بن محمد بن علي الصيرفي قال: حدثنا جعفر بن محمد الحسني قال: حدثنا عيسى بن مهران قال: أخبرنا يونس بن محمد قال: حدثنا عبد الرحمن ابن الغسيل قال: أخبرني عبد الرحمن بن خلاد الانصاري، عن عكرمة، عن عبد الله بن عباس قال: إن علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي قبض فيه، فقالوا: يا رسول الله هذه الانصار في المسجد تبكي رجالها ونساؤها عليك. فقال: وما يبكيهم؟ قالوا: يخافون أن تموت، قال: أعطوني أيديكم فخرج في ملحفة وعصابة حتى جلس على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:" أما بعد، أيها الناس! فما تنكرون من موت نبيكم؟ ألم أنع إليكم وتنع إليكم أنفسكم؟ لو خلد أحد قبلي ثم بعث إليه لخلدت فيكم. ألا إني لاحق بربي، وقد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله تعالى بين أظهركم، تقرؤونه صباحا ومساء، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا إخوانا كما أمركم الله، وقد خلفت فيكم عترتي أهل بيتي وأنا أوصيكم بهم، ثم أوصيكم بهذا الحي من الانصار، فقد عرفتم بلاهم عند الله عزوجل وعند رسوله وعند المؤمنين، ألم يوسعوا في الديار ويشاطروا الثمار، ويؤثروا وبهم الخصاصة؟ فمن ولي منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه فليقبل من محسن الانصار، وليتجاوز عن مسيئهم".

وكان آخر مجلس جلسه حتى لقي الله عزوجل"

الأمالي - المفيد ص 46 47

فهذه الرواية صريحة بالوصية بأهل البيت، والانصار على حد سواء، ولقد نفى علي رضي الله عنه في نهج البلاغة الامارة لمن تكون الوصية فيه، ومما يدل على ان مراد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الرعاية لاهل البيت والانصار قوله: (فمن ولي منكم أمرا يضر فيه أحدا أو ينفعه فليقبل من محسن الانصار، وليتجاوز عن مسيئهم) فلو كانت ولاية الامر لاهل البيت لاوصاهم بالانصار بدلا من ان يوصي غيرهم بهم.

واما لفظ (فانهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض) فارجو قراءة موضوع كتاب الله وعترتي اهل بيتي في الكتاب فقد شرحته، وبينت فيه المفهوم الصحيح له من خلال كلام اهل العلم المعتبرين، والله الموفق للصواب.