من أعظم المسائل العقدية التي اهتم بها علماء الإسلام عبر القرون مسألة عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إذ تتعلق بمقام النبوة، وبأمانة التبليغ، وبمكانة القدوة التي اصطفاها الله لعباده. أجمع العلماء على أن الأنبياء معصومون في ما يبلغونه عن الله عز وجل، فلا يكذبون ولا يخطئون ولا ينسون فيما يتعلق بالوحي والرسالة. أما ما عدا ذلك من أمور الحياة البشرية فقد وقع فيه خلاف بين العلماء، خاصة في باب الصغائر والهفوات غير المتعلقة بالتبليغ، مع اتفاقهم على عصمتهم من الكبائر والفواحش. وقد تناول هذه المسألة علماء كبار كالإمام الشاطبي، والقاضي عياض، والمازري، والشنقيطي، وغيرهم، مؤكدين أن ما يقع من الأنبياء إنما يكون باجتهاد أو سهو يعقبه توجيه رباني وتوبة عاجلة، ليظلوا في مقام الكمال البشري الذي أراده الله لهم.

قال محمد الشنقيطي:

 "واعلم أن جميع العلماء أجمعوا على عصمة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في كل ما يتعلق بالتبليغ. واختلفوا في عصمتهم من الصغائر التي لا تعلق لها بالتبليغ اختلافاً مشهوراً معروفاً في الأصول. ولا شك أنهم صلوات الله عليهم وسلامه إن وقع منهم بعض الشيء فإنهم يتداركونه بصدق الإنابة إلى الله حتى يبلغوا درجة أعلى من درجة من لم يقع منه ذلك، كما قال هنا: ﴿وعصى آدم ربه فغوى﴾، ثم أتبع ذلك بقوله: ﴿ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى﴾.

اخترنا لكم من مقالات السقيفة:

إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي

روايات الكافي: مزاعم إضافة أسماء علي والأئمة إلى نصوص القرآن

الروايات الشيعية في النهي عن البناء على القبور (1)

جهود الشيخ محمد الشنقيطي في تقرير عقيدة السلف ج 2 ص 388 لعبد العزيز الطويان

قال المازري:

 أما الأنبياء معصومون من الكذب فيما طريقه البلاغ عن الله - سبحانه وتعالى - قل ذلك أو جل؛ لأن المعجزة تدل على صدقهم فى ذلك.

اكمال المعلم بفوائد مسلم للقاضي عياض ج 7 ص 344

قال الشاطبي:

 مَسْأَلَةُ عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- فَيُقَالُ لَهُ: الْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ مِنَ الْكَبَائِرِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَعَنِ الصَّغَائِرِ بِاخْتِلَافٍ.

الموافقات ج 4 ص 13

قال عبد الرحيم السلمي:

هل الأنبياء معصومون من الخطأ؟

الجواب:

 الأنبياء لا شك في أنهم معصومون من الخطأ في البلاغ عن الله سبحانه وتعالى، فلا يمكن أن يخطئوا فيما يبلغون به عن الله سبحانه وتعالى، ولا يحصل لهم السهو ولا النسيان في هذا الأمر، وأما الخطأ الطبيعي فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخطأ في صلاته وسجد للسهو، وإن كان الخطأ المقصود به المعصية فإنهم معصومون من الكبائر، وأما الصغائر فإنه إذا حصل أن وقع فيها أحدهم فإنه لابد من أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، كما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم عندما اجتهد وفدى أسرى بدر، وبعضهم جعل فديته أن يعلم الصحابة شيئاً من القراءة، فلامه الله عز وجل على ذلك، وتاب منه.

شرح رسالة العبودية ج 16 ص 17

قال ابو الاشبال:

العصمة فيما يتعلق بالتبليغ أو بتلقي الوحي عن الله عز وجل فإنه لا خلاف بين أهل السنة والجماعة أن الأنبياء والمرسلين معصومون في هذا الباب، كما أنهم معصومون بعد بعثتهم من اقتراف الكبائر.

اصول اهل السنة ص 4