الشيعة: بَنُو أُمَيَّةَ هُمُ الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ وأنها الزَّقُّوم
الحمدُ للهِ الَّذي نزَّل القرآنَ هُدًى وبُرهانًا، وجعل آياتِه بيِّناتٍ واضحاتٍ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
لقد أثارت آيةُ الشَّجَرَة الملعونة في القرآن جدلًا واسعًا بين المفسِّرين وأهل الأهواء، فثبتَ عن ابن عبَّاسٍ رضي اللهُ عنه أنَّها شجرةُ الزَّقُّوم الَّتي أُرِيَها النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِيانًا في النار، وهذا هو القول الصَّحيحُ الَّذي أجمع عليه أئمَّةُ التفسير كالطَّبريِّ والتِّرمذيِّ والحافظ ابن حجرٍ وغيرهم. غير أنَّ بعض الغلاة من الرافضة حاولوا تأويلها تأويلًا باطنيًّا باطلًا، فجعلوها إشارةً إلى بني أُميَّة، معتمدين على رواياتٍ موضوعةٍ مكذوبةٍ لا تثبت. وهذا المقال يُجلِّي حقيقةَ المسألة، ويُبيِّن المعنى الصَّحيح للآية، ويردّ على ما نسبه الكذَّابون إلى القرآن والسُّنَّة بغير علم.
بَنُو أُمَيَّةَ هُمُ الشَّجَرَةُ الْمَلْعُونَةُ:
ثَبَتَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ «هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ» (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، 3675)، وَأَنَّهَا رُؤْيَا عَيْنٍ أُرِيَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتِلْكَ الشَّجَرَةِ فِي النَّارِ.
مقالات السقيفة ذات صلة: |
- النبي بايع عن عثمان في بيعة الشجرة |
وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرِيُّ أَنَّ «هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ»
(فَتْحُ الْبَارِي 8/399، سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ 5/302، تَفْسِيرُ الطَّبَرِيِّ 15/115).
وَقِيلَ مَعْنَى الْمَلْعُونَةِ:
أَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ فِي مَكَانِ اللَّعْنَةِ، وَهِيَ الْإِبْعَادُ مِنَ الرَّحْمَةِ، لِأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ فِي مَوْضِعِ الْعَذَابِ.
وَفِي "الْكَشَّافِ": قِيلَ تَقُولُ الْعَرَبُ لِكُلِّ طَعَامٍ ضَارٍّ: مَلْعُونٌ.
وَاللَّعْنُ هُوَ الْإِبْعَادُ وَالتَّبْعِيدُ.
وَالدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ فِي الصَّحِيحِ.
وَاللَّعْنُ هُوَ الْإِبْعَادُ مِنَ الرَّحْمَةِ، وَهَذِهِ الشَّجَرَةُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ فِي أَبْعَدِ مَكَانٍ مِنَ الرَّحْمَةِ.
وَقِيلَ تَقُولُ الْعَرَبُ لِكُلِّ طَعَامٍ مَكْرُوهٍ ضَارٍّ: مَلْعُونٌ.
وَالرَّحْمَةُ مُقَابِلُ الْإِبْعَادِ وَاللَّعْنَةِ.
وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ الْجَنَّةَ دَارَ رَحْمَتِهِ.
أَمَّا تَفْسِيرُهَا بِبَنِي أُمَيَّةَ فَمِنْ أَكَاذِيبِ وَوَضْعِ أَحْمَدَ ابْنِ الطَّيِّبِ.
ذَكَرَ الْحَافِظُ مِنْ مُجَازَفَاتِهِ ادِّعَاءَهُ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى الْآيَةِ.
وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ هَذَا التَّفْسِيرِ الْمُضْحِكِ: «غَرِيبٌ وَضَعِيفٌ» (تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ 5/60).
وَاسْتَبْعَدَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا التَّفْسِيرَ الْبَاطِنِيَّ، وَنَقَلَ عَنِ التِّرْمِذِيِّ صِحَّةَ إِسْنَادِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (10/282).
وَأَحْمَدُ هَذَا كَانَ قَدْ أَشَارَ عَلَى الْمُعْتَضِدِ بِلَعْنِ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمَنَابِرِ، وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «إِنَّ مُعَاوِيَةَ فِي تَابُوتٍ مِنْ نَارٍ، فِي أَسْفَلِ التَّابُوتِ دَرَكٌ يُنَادِي: يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ، فَيُقَالُ لَهُ: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ».
ثُمَّ عَقَّبَ الْحَافِظُ قَائِلًا:
«وَهَذَا بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ ظَاهِرُ الْوَضْعِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ أَحْمَدُ بْنُ الطَّيِّبِ وَضَعَهُ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ مِنَ الرَّوَافِضِ»
(لِسَانُ الْمِيزَانِ 1/202).
وَكَانَ قَدْ حَكَى الْحَافِظُ عَنْ أَحْمَدَ هَذَا أَنَّهُ كَانَ يَرَى رَأْيَ الْفَلَاسِفَةِ وَأَنَّهُ قُتِلَ سَكْرَانًا.
(لِسَانُ الْمِيزَانِ 1/202، تَرْجَمَةُ أَحْمَدَ بْنِ الطَّيِّبِ).
فَالْمُرَوِّجُ لِمِثْلِ هَذَا الْكَذِبِ رَافِضِيٌّ كَذَّابٌ سِكِّيرٌ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي (تَارِيخِهِ 3/343) مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ إِلَى قَوْمٍ مِنْ بَنِي فُلَانٍ يَتَبَخْتَرُونَ فِي مِشْيَتِهِمْ، فَعُرِفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَرَأَ ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾، فَقِيلَ لَهُ: أَيُّ الشَّجَرَةِ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ حَتَّى نَجْتَثَّهَا؟ فَقَالَ: لَيْسَتْ بِشَجَرَةِ نَبَاتٍ، إِنَّمَا هُمْ بَنُو فُلَانٍ إِذَا مَلَكُوا جَارُوا».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَكَرِيَّا الْغَلَابِيِّ: «بَصْرِيٌّ وَكَانَ وَضَّاعًا» (الضُّعَفَاءُ وَالْمَتْرُوكُونَ، 484).
وَهَكَذَا، فِي الْوَقْتِ الَّذِي نَجَحَ فِيهِ بُولُسُ فِي خَلْطِ تَعَالِيمِ الْمَسِيحِ بِالْفَلْسَفَةِ وَالْكَذِبِ، فَشِلَ أَخُوهُ ابْنُ سَبَأٍ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ وَعَدَ اللَّهُ بِحِفْظِ وَحْيِهِ.
غَيْرَ أَنَّنَا نَجِدُ فِي كُتُبِ الرَّافِضَةِ مَا يُؤَيِّدُ مَا نَقُولُ:
قَالَ الْمَجْلِسِيُّ: «قِيلَ إِنَّ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ هِيَ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ فِتْنَةً لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: إِنَّ النَّارَ تُحْرِقُ الشَّجَرَ فَكَيْفَ تُنْبِتُ الشَّجَرَ فِي النَّارِ؟ وَصَدَّقَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ» (بِحَارُ الْأَنْوَارِ 9/119).
قَالَ: وَتَقْدِيرُ الْآيَةِ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ﴾.
قَالُوا: إِنَّمَا سُمِّيَتْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ فِتْنَةً، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا: إِنَّ النَّارَ تُحْرِقُ الشَّجَرَ فَكَيْفَ تُنْبِتُ الشَّجَرَةَ فِي النَّارِ؟ وَصَدَّقَ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ» (بِحَارُ الْأَنْوَارِ 9/119).
وَقَالَ الطَّبَرْسِيُّ: «وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا يُوعِدُكُمْ بِنَارٍ تُحْرِقُ الْحِجَارَةَ، ثُمَّ يَزْعُمُ أَنَّهُ تَنْبُتُ فِيهَا الشَّجَرَةُ.
وَقَوْلُهُ «فِي الْقُرْآنِ» مَعْنَاهَا الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ»
(تَفْسِيرُ مَجْمَعِ الْبَيَانِ 6/266 لِلطَّبَرْسِيِّ)