تمثّل الروايات الواردة عن حياة الأنبياء ميدانًا خصبًا للتأمل في دقائق سلوكهم ومواقفهم، حيث يكشف بعضها عن ترك الأَوْلَى لا عن اقتراف المعصية.
ومن هذه الروايات ما أورده الصدوق في كتابه علل الشرائع حول سبب عدم خروج نبي من صلب يوسف (عليه السلام). إذ تذكر الرواية أن يوسف، حين قَدِم أبوه يعقوب (عليه السلام) إلى مصر، أراد أن يترجّل له توقيراً، ثم نظر إلى ما هو فيه من الملك فلم يفعل.
فجاءه جبريل بالعقوبة الإلهية: أن لا يخرج من صلبه نبيّ أبدًا. هذا الحدث يثير أسئلة عقدية مهمة: هل كان موقف يوسف خطأً أم تركاً للأَوْلَى؟ وهل يُعَدّ حرمانه من النبوّة في ذريته عقوبة تتنافى مع العصمة؟ المقال يناقش هذه الرواية من زاويتين: سلوك يوسف وفهم العقوبة في ضوء العقيدة
مقالات السقيفة ذات صلة:
إتهام نبي الله نوح بأن ابنه ولد من زنا عند الشيعة الرسول أول من يدخل النار |
:العلة التي من أجلها لم يخرج من صلب يوسف نبي
2- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ مَاجِيلَوَيْهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْعَطَّارِ، عَنِ الْحُسَيْنِ ابْنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أُورَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: "لَمَّا أَقْبَلَ يَعْقُوبُ إِلَى مِصْرَ خَرَجَ يُوسُفُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِيَسْتَقْبِلَهُ، فَلَمَّا رَآهُ يُوسُفُ هَمَّ بِأَنْ يَتَرَجَّلَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ، فَلَمْ يَفْعَلْ. فَلَمَّا سَلَّمَ عَلَى يَعْقُوبَ نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرَائِيلُ فَقَالَ لَهُ: يَا يُوسُفُ، إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لَكَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَنْزِلَ إِلَى عَبْدِيَ الصَّالِحِ إِلَّا مَا أَنْتَ فِيهِ؟ ابْسُطْ يَدَكَ. فَبَسَطَهَا فَخَرَجَ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ نُورٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا يَا جِبْرَائِيلُ؟ فَقَالَ: هَذَا آيَةٌ، لَا يَخْرُجُ مِنْ صُلْبِكَ نَبِيٌّ أَبَدًا، عُقُوبَةً لَكَ بِمَا صَنَعْتَ بِيَعْقُوبَ إِذْ لَمْ تَنْزِلْ إِلَيْهِ".
باب 47 - العلة التي من أجلها لم يخرج من صلب يوسف نبي
أقول (تحليل للنقاط المثارة):
1- عَدَمُ تَرَجُّلِ يُوسُفَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) لِأَبِيهِ يَعْقُوبَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، هَلْ كَانَ خَطَأً أَمْ صَوَابًا؟
الرواية تشير إلى أن هذا الفعل كان "تركًا للأَوْلَى"، وليس ذنباً أو معصية. فالتكبر على الأب ليس من شيم الأنبياء، لكن الرواية تذكر أنه نظر إلى "ما هو فيه من الملك"، مما قد يُفهم منه أنه فعل ذلك لهيبة المُلك وليس تكبراً شخصياً. ومع ذلك، كان الأفضل والأكمل في حقّه أن يتواضع لأبيه النبي.
2- هَلْ كَانَتْ عُقُوبَةُ اللَّهِ تَعَالَى لِيُوسُفَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) بِأَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ صُلْبِهِ نَبِيٌّ مِنْ أَجْلِ خَطَأٍ فَعَلَهُ يُوسُفُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَمْ لَا؟
♦ نعم، بحسب نص الرواية، كانت هذه "عقوبة" على "ما صنع بيعقوب إذ لم ينزل إليه".
في الفكر الشيعي، تُفهم هذه العقوبة على أنها جزاء على "ترك الأَوْلَى"، وليست عقوبة على ذنب يُبطل العصمة. فالعقوبة هنا دنيوية (حرمانه من فضل خروج نبي من صلبه)، وليست عقوبة أخروية تستلزم معصية.