يُعَدُّ موضوع عِصمة الأنبياء من أبرز القضايا العقدية التي أثارت جدلاً واسعًا بين الفرق الإسلامية. ويستند كل فريق إلى نصوص قرآنية وروايات لتفسير حدود العصمة وما يندرج تحتها من أفعال أو اجتهادات. ومن أبرز الشخصيات التي ثار حولها النقاش نبي الله يونس بن متّى (عليه السلام)، إذ وردت في مصادر الشيعة رواية تُشير إلى صدور "ذنب" منه بعد أن وكله الله إلى نفسه طرفة عين، وهو ما يستلزم الوقوف عند حقيقة هذا "الذنب"، ومقدار انسجامه أو تعارضه مع مفهوم العصمة عند الشيعة.

ما ورد عن يونس (عليه السلام)

الكافي للكليني:

15- مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ سُجَيْمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يَقُولُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَهُ إِلَى السَّمَاءِ: "رَبِّ لَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ أَبَدًا، لَا أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ". قَالَ: فَمَا كَانَ بِأَسْرَعَ مِنْ أَنْ تَنحَدِرَ الدُّمُوعُ مِنْ جَوَانِبِ لِحْيَتِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: "يَا ابْنَ أَبِي يَعْفُورٍ، إِنَّ يُونُسَ بْنَ مَتَّى وَكَلَهُ اللَّهُ (عَزَّ وَجَلَّ) إِلَى نَفْسِهِ أَقَلَّ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ فَأَحْدَثَ ذَلِكَ الذَّنْبَ". قُلْتُ: فَبَلَغَ بِهِ كُفْرًا - أَصْلَحَكَ اللَّهُ -؟ قَالَ: "لَا، وَلَكِنَّ الْمَوْتَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ هَلَاكٌ".

مقالات السقيفة ذات صلة:

أقول (تحليل للنقاط المثارة):

بَيَّنَتِ الرِّوَايَةُ صُدُورَ "الذَّنْبِ" مِنْ يُونُسَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَهَذَا يُعَدُّ مُنَاقِضًا لِتَعْرِيفِ الرَّافِضَةِ لِلْعِصْمَةِ.

الرواية بالفعل تستخدم كلمة "الذنب". علماء الشيعة يفسرون هذا "الذنب" بأنه "ترك الأَوْلَى" أو مخالفة تستوجب العتاب، وليست معصية بالمعنى الذي يقدح في العدالة أو العصمة المطلقة. الإمام الصادق (عليه السلام) في نفس الرواية ينفي أن يكون هذا الذنب قد بلغ به الكفر، ولكنه يصف الموت على تلك الحال بأنه "هلاك"، مما يدل على خطورة الموقف دون أن يصل إلى حد المعصية المُخرجة من النبوة. القضية هنا هي أن الاعتماد على النفس بدلاً من التوكل الكامل على الله يُعتبر "ذنباً" في مقامات الأنبياء العالية، وإن لم يكن معصية عند عامة الناس[1].

 

 

[1] الكافي - الكليني - ج 2 - ص 581.