يُعَدّ الحديث النبوي الشريف المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، وقد أولاه العلماء عبر القرون عناية فائقة، تحقيقًا وتمحيصًا، ودفعًا للشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام أو بعض الفرق المخالفة. ومن الأحاديث التي تعرّضت للطعن حديث أبي هريرة رضي الله عنه في «البخاري» بلفظ: «أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل الله صورته صورة حمار». هذا الحديث تلقّاه أهل السنة بالقبول، غير أن بعض الطاعنين كالروافض اعترضوا عليه بدعوى أنه يتضمن ما لا يليق بمقام النبوة. وفي هذا المقال سنبيّن مكانة الحديث، وندحض هذه الشبهة، ونكشف تناقض الرافضة حين أوردوا مثله في كتبهم، بما يؤكد أن طعنهم ليس مبنيًّا على منهج علمي، بل على هوى ومجادلة بغير علم.
روى البخاري في صحيحه (691) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
«أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار أو يجعل الله صورته صورة حمار».
من مقالات السقيفة:
حديث "اعرضوه على القرآن" بين التحريف والبطلان حديث «كتاب الله وسنتي» بين التشكيك الشيعي وتوثيق أهل العلم المقدمة |
وقد استنكر بعض الروافض – ومنهم مروان عبد الهادي – هذا الحديث، وزعم أنه من وضع أعداء الإسلام للتشويه والطعن في الدين، قائلاً: «أنا على يقين تام بأن قائل هذا الحديث إنسان حاقد على الإسلام والمسلمين وعلى رسول الله ﷺ»، كما نشر ذلك في موقع (جُبلة).
لكن ما غاب عن هذا المعترض أن الحديث ثابت في أصح كتب السنة (البخاري)، وأن العلماء تلقّوه بالقبول، وشرحوه، وبيّنوا أن الوعيد فيه على سبيل التحذير من مخالفة الإمام في الصلاة، وأن التشبيه برأس الحمار إنما هو لبيان عظم الجُرم وشدة الوعيد، لا على سبيل العبث أو الانتقاص.
بل الأعجب من ذلك أن نفس المعترض يجهل أن مثل هذا الحديث وارد أيضًا في كتب الشيعة أنفسهم، مما يكشف تناقضهم البيّن.
فمثلاً:
· قال الخوئي في منهاج البراعة: (28) «وفي الحديث عنه ﷺ: من خالف الإمام في أفعال الصلاة يُحشر ورأسه رأس حمار».
· وقال في تذكرة الفقهاء (4/331): «أما يخشى الله الذي يرفع رأسه والإمام ساجد أن يحوّل الله رأسه رأس حمار».
· وقال الهمداني في مصباح الفقيه (9/202) «يُستدل عليه... بالنبويين المرويين عن مجالس الصدوق... ومنها: أما يخشى الذي يرفع رأسه والإمام ساجد أن يحوّل الله رأسه رأس حمار».
· وكذلك ذُكر في مستمسك العروة الوثقى (11/263) لمحسن الأمين، وأكّد الأنصاري في كتاب الصلاة (3/349) أن هذا الحديث مشهور بين السنة والشيعة على السواء.
إذن فالمسألة لا تتعلق بوجود الحديث أو عدمه، بل بصدق النقل ومنهجية التعامل مع النصوص. فإذا كان الحديث ثابتًا عند الفريقين، فما وجه الطعن على أهل السنة دون غيرهم؟
والحق أن الطعن لا يقوم على أساس علمي، وإنما هو محض تعصّب. أما أهل السنة فقد تعاملوا مع هذا النص كما يتعاملون مع غيره من نصوص الوعيد، يثبتونه كما ورد، ويبيّنون معناه، ويحذّرون من المخالفة، من غير أن ينسبوا للنبي ﷺ قولًا لا يليق بمقامه الشريف.
وهذا يفضح التناقض الشيعي، حيث يطعنون في الحديث عند أهل السنة، ثم يقبلونه في كتبهم، بل ويستدلون به على مسائل فقهية!