تُعَدُّ عقيدة التوحيد هي أعظم عقيدة جاء بها الإسلام، وقد شدَّد القرآن الكريم على أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق المدبر الوحيد للكون، وأنه لا شريك له في خلقه ولا في تدبيره. لكن بعض علماء الشيعة الإمامية وقعوا في انحرافات خطيرة، حيث نسبوا للأئمة صفاتٍ وخصائص لا تجوز إلا لله جل جلاله. ومن أخطر هذه الانحرافات ما قاله محمد صادق الصدر في كتابه منة الرحمن، إذ نسب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه مقامًا فوق مقام المخلوقين جميعًا، بل جعله خالقًا للكثرة بعد الواحد، في مخالفة صريحة لما جاء به الوحي. وفي هذا المقال نستعرض نص كلام الصدر كاملاً، مع بيان خطورته العقدية التي تُخرج عن التوحيد الخالص الذي أمر الله به.

قال محمد صادق الصدر:

والشاهد على عظمة البسملة، ما ورد عن أمير المؤمنين: إنَّ علوم الكون كلها في القرآن، وعلوم القرآن في السبع المثاني، وعلوم السبع المثاني في البسملة، وعلوم البسملة في الباء، وعلوم الباء في النقطة، وأنا تلك النقطة.

وحسب فهمي فإنَّ المراد: إنَّ علوم القرآن في الفاتحة مع زيادة في الفاتحة، وعلوم الفاتحة في البسملة مع زيادة في البسملة، وعلوم البسملة في الباء مع زيادة في الباء، وعلوم الباء في النقطة مع زيادة في النقطة.

وأما ما هي تلك الزيادة، فذلك ما لا يعلمه إلا علاّم الغيوب؛ لأنها فوق إدراك عقولنا القاصرة، وربما يكون علمها عند قائلها سلام الله عليه.

فعلوم الكون بجميع مراتبه عند أمير المؤمنين، وعلومه أكثر من علوم البسملة، وعلوم البسملة أكثر من علوم الفاتحة، وعلوم الفاتحة أكثر من علوم الكتاب الكريم الذي لم يفرط بشيء 

 

وهذه الرواية تدلنا على مزايا أمير المؤمنين وهي:

أولا: إنَّ روحه وحقيقته العليا بسيطة، حيث يقول: وأنا النقطة. وإنَّ النقطة بسيطة هندسيًا من حيث إنها ليست جسماً ولا سطحاً ولا خطاً، فهي بسيطة من جميع الجهات، فهي مجرد فرض عقلي وليست مادة. وهذه البساطة المشار إليها في الرواية بساطة فلسفية، والنقطة ذات بساطة هندسية، والبساطة الفلسفية مستقاة مجازاً من البساطة الهندسية، وإلاّ فإنَّ بساطة الروح لا تماثل بساطة النقطة إلاّ بعنوان البساطة.

ثانيا: إنَّه سلام الله عليه جامع لكل علوم الكون غير علم الله سبحانه، وقد فاق علمه على الأولين والآخرين وجميع المعصومين سلام الله عليهم أجمعين، عدا الرسول الأكرم ﷺ الذي هو مدينة العلم وعليٌّ بابها.

ثالثا: إنَّه أعلى مراتب الوجود.

فقد قال الفلاسفة بقاعدة صدور الواحد عن الواحد، فبالضرورة يخلق الله تعالى واحدًا في المرتبة الأولى التي تتنزل عن ذاته سبحانه، ثم هذا المخلوق الواحد يخلق الكثرة أي يُوجِد المتعدد. فهو بسيط، ولكنَّه بالتحليل يكون أمرين: محمد وعلي، لأنهما نفس واحدة. بدليل قوله تعالى: ﴿وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾، فهو نفسه ولكنَّه غيره، والكثرة عين الوحدة كما قيل في الحكمة المتعالية". اهـ

منة الرحمن محمد صادق الصدر ج 1 ص 28 29