يقص علينا القرآن الكريم قصة السحرة مع فرعون وموسى عليه السلام، وكيف أن السحرة الذين جلبهم فرعون من صعيد مصر آنذاك كانوا أعتى السحرة في بر مصر ليتمكنوا من مواجهة ما رآه فرعون من موسى عليه السلام متمثلا في معجزات النبوة الشهيرة، وعند الاختبار..
وبمجرد أن ألقي موسى عصاه لتلقف ما يأفكون تنبه السحرة جميعا إلى أن موسى عليه السلام ليس بساحر، بل هو حتما نبي مرسل لأن السحرة رأوا بأعينهم تحول العصا إلى ثعبان حقيقي أي أنها ليست من ألاعيب الحواة التي تسحر أعين الناس، فأسلموا لله رب العالمين وخروا ساجدين معترفين برب موسى وهارون.، لكن فرعون أبي بغروره المعهود أن يستسلم لهذا الاعتراف الجماعي وقال بأن ما جرى أمامه إن هي إلا مؤامرة صاغها موسى عليه السلام مع السحرة ليمكروا به،
يقول الله عز وجل: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الأعراف: 123، 124]
فاتهم السحرة بأنهم تواطئوا مع موسي عليه السلام، وصلبهم كما تقول القصة الشهيرة وقطعهم أشلاء ورماهم في ربوع _ فاتهم السحرة بأنهم تواطئوا مع موسي الصعيد المختلفة والتي تسمت بأسماء هؤلاء السحرة منذ ذلك الحين ومنها مدن الصعيد الشهيرة أسيوط واسنا وأرمنت وسوهاج ودشنا ومنفلوط وأخميم وهي قائمة بأسمائها تلك حتى اليوم، وكان من ضمن اتهام فرعون أن موسى عليه السلام هو كبيرهم الذي علمهم السحر!
وبطبيعة الحال كان الاتهام باطلا، غير أن تاريخ البشرية شهد العديد من كبراء السحر الذين أضلوا من خلفهم شعوبا وأمما وتولوا كبر الكفر والشرك بالله تعالى وافتتنت بصنائعهم أمم وقبائل، وليس المقصود هنا السحر بمعناه المطلق، بل المقصود هو المكر الذي تتفتق عنه أذهان شياطين الإنس لغرض واحد وهو الإضلال الجماعي عن طريق استغلال مكانة التأثير التي تتوافر لهم، فكان هناك السامري في قوم موسى، الذي أضل بني إسرائيل باتخاذه العجل إلها لهم، وكان هناك القديس بولس في النصرانية والذي أسس لما يسمى بالطبيعة الإلهية للمسيح عليه السلام والتي أدت بالنصارى فيما بعد إلى الشرك الأعظم.
وكان هناك عمرو بن لحى الذي كان أول من اتخذ أصناما في الكعبة بعد أن رآها في الشام فنقلها ونقل بدعتها إلى مكة وأقامها حول الكعبة وعكف عليها وتبعه قومه بعد ذلك حتى ظهور الإسلام، وفى العصر الحديث تقف شخصية روح الله الموسوي الخميني قائد الثورة الإيرانية في نفس المكانة إلى جوار أمثاله من كبراء الفتنة نظرا لما أحدثه من تغيير جذري في التشيع فزاده ضلالا على ضلاله، والتشيع مر بعدة أطوار ومراحل، اضطلع بكل مرحلة منها كبير للسحر من كبرائهم وكان من أبرزهم عبد الله بن سبأ "أول من قال بفرض الإمامة والوصاية في الإسلام"
وجاءت من بعده الأفكار الفارسية التي شكلت بقية المراحل، ومنها مرحلة شيطان الطاق الذي يلقبه الشيعة بمؤمن الطاق وكذلك سليم بن قيس الهلالي صاحب الكتاب الشهير باسمه، والذي يعد من كتب الشيعة المعتبرة بكل ما يحويه من أباطيل.
مرحلة التنظير:
ثم جاءت مرحلة التنظير التي قادها بن مطهر الحلى والطوسي والكلينى والمفيد والطبرسي،
ثم مرحلة التشيع الصفوى والتي قادها باقر المجلسي وأثره في التشيع كان كاسحا حيث يعد المجلسي صاحب موسوعة (بحار الأنوار) واحد من الذين جعلوا التشيع الإثناعشري كفرا بواحا عن طريق اختراع العقائد الكفرية بأثر رجعى ونسبتها لأئمة آل البيت، فضلا على أنه خصص ثلاثة مجلدات كاملة من موسوعته سالفة الذكر للطعن في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، بالإضافة إلى سائر الصحابة وأمهات المؤمنين واتهامهم بالزنا واللواط وغير ذلك من الفظائع واعتبار تلك الأمور من أسس عقيدة التشيع،هذا فضلا على إضفاء عقائد الإلوهية في الأئمة والغلو فيهم بدرجة أبشع من كل تصور .
عصر الخميني:
ثم يأتي الخميني وهو صاحب آخر مرحلة للتطور في الدين الشيعي الإثنا عشري ويعد الخميني هو الذي أنهى خرافة المهدي المنتظر لدى الشيعة الإمامية فعليا، حيث ابتكر وطبق نظرية ولاية الفقيه والتي جعلت الفقيه بمقام الإمام المعصوم تماما ونقلت سائر الاختصاصات التي كفلتها الشيعة للأئمة المعصومين إلى الفقهاء وهي الخطوة التي تبعتها خطوات حيث لم يكتف الخميني بذلك بل قام بخطوتين مؤثرتين وهما…
أولا: إعادة اكتشاف التشيع من أمهات الكتب التي كانت نوعا ما مخفية، فأعاد طباعة سائر الكتب القديمة وبالذات بحار الأنوار بكامل مجلداتها المائة والكافي والأنوار النعمانية وغيرها، بكل ما فيها من الغلو الفاحش رغم أن الشاه محمد رضا بهلوى لم يجرؤ على تلك الخطوة وطباعة مجلدات بحار الأنوار كلها خوفا من انتشارها ووقوعها في يد جماهير العالم الإسلامي.
ثانيا: التنظير للشيعة بنظريات جديدة في العقائد خلافا لنظرية ولاية الفقيه وإكساب التشيع بعدا جديدا من الغلو..
وهذا الغلو في الأئمة كان ضروريا للخمينى لأنه كلما تزايدت درجة الأئمة لمصاف الآلهة علت درجة الخميني نفسه باعتباره النائب عن الإمام المعصوم وليتسنى له زعم أن الراد عليه كالراد على الله!
ونظرا للتأثير الذي أثر به الخميني، سواء على الشيعة أو على السنة الذين انساقوا في فترة ما بعد الثورة الإيرانية خلف شعاراتها البراقة عن جهل شديد وتقصير أشد.
كان من الواجب التركيز على فكر الخميني عبر كتاباته الخاصة والتي تعتبر الميزان الحقيقي الذي يوضح طبيعة المنهج الذي كان يقوم به الخميني فعليا وهل كان هذا المنهج منهجا إسلاميا وحدوديا كما روج الإعلام له أم لا؟!
وقبل معالجة فكره يلزم معالجة البيئة التي أنجبته وأنجبت خلفاءه من السائرين على دربه لنرى ونعرف من هو الخميني من خلال قلمه وأفعاله وتطبيقاته.