هل نسيان وصية النبي متعمد؟

رد شبهات الشيعة حول حادثة رزية الخميس

من أعظم القضايا التي يثيرها الشيعة في كتبهم ومناظراتهم قضية رزية الخميس وما يُسمى "نسيان وصية النبي ﷺ". ويزعمون أن الصحابة قد تعمدوا كتمانها أو تجاهلها، ويجعلون ذلك مدخلًا للطعن في الخلفاء الراشدين وعلى رأسهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه. والحقيقة أن هذه الدعوى قائمة على سوء الفهم وسوء الظن بالصحابة، مع مخالفة صريحة للأدلة القرآنية والسنن الصحيحة. هذا المقال يسلط الضوء على هذه الشبهة، ويناقشها من عدة جوانب: الرواية، التخريج، المعنى الصحيح، وتناقضات القائلين بها.

قول الرافضة:

«فهل يعقل أن الصحابة الحاضرين الذين سمعوا وصايا الرسول الثلاثة عند موته ينسون الوصية الثالثة» تدل على جهلهم لأن الصحابة لم ينسوا الحديث إنما الذي روى الحديث عنهم هو الذي نسيها وهو سعيد بن حبير فكيف يحمِّل الصحابة مسؤولية نسيان أحد الرواة لجزء من الحديث. ولو فرضنا أن الناسي هو ابن عباس فهو شهادة زور عليه وسوء ظن معهود من الرافضة بالصحابة. والصحابة أصدق خلق الله خلا الأنبياء، امل الرافضة مبغضوهم فهم أكذب خلق الله خلا إبليس.

فقد اختلف في تعيين الثالثة التي نسيها سعيد بن جبير، فمن قائل أنها تجهيز جيش أسامة، ومن قائل أنها قوله ( لا تتخذوا قبري وثنا )، ومن قائل أنها قوله ( الصلاة وما ملكت أيمانكم).

لو فرضنا أن الثالثة هي الوصية فإنها بالدليل من الأحاديث الأخرى متعلقة بالوصية لأبي بكر وهي ليست السياسة كما زعموا وإنما الفتنة الربانية لقوم زائغين مردوا على النفاق والمعاندة.

وبه يعلم سخف قول التيجاني:

« هل يعقل أن الصحابة الحاضرين الذين سمعوا وصايا الرسول الثلاثة عند موته ينسون الوصية الثالثة وهم الذين كانوا يحفظون القصائد الشعرية الطويلة بعد سماعها مرةً واحدة؟ كلا ولكن السياسة هي التي أجبرتهم على نسيانها وعدم ذكرها، إنها مهزلة أخرى من مهازل هؤلاء الصحابة، ولأن الوصية الأولى لرسول الله كانت بلا شك استخلاف على بن أبي طالب فلم يذكرها الراوي» (ثم اهتديت ص127).

وقول الجاهل: « بلا شك» إنما ليغطي بها كذبه، وإلا فهو الدخول النيات والحكم عليها كذبا وزورا.

وقول الراوي: « وأوصاهم يثلاث» يبين أن الرسول ص لم يطرد الصحابة من عنده، والأهم من ذلك أنه أوصى الصحابة بهذه الوصايا بعدما توقف عن كتابة الكتاب الذي لن يضلوا بعده أبداً، وهو بعينه دليل أنه e رأى عدم كتابته موافقة لعمر.

أن النبي طرد الفريقين المختصمين حول كتابة الوصية ولم يأمر بطرد عمر بالرغم من قوله (حسبنا كتاب الله) مما يؤكد أن الأمر بالقيام عنه ليس طردا كما يزعم الرافضة القائلون (الرسول يطرد أصحابه). وإلا لجاز لقائل أن يسأل: ما ذنب الذين أرادوا كتابة الكتاب؟ ولماذا يطردهم الرسول؟

لا شك أن هذه الحادثة كانت بعد نزول آية إكمال الدين ﴿ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ﴾ وأنتم زعمتم أنه بإعلان النبي إمامة علي كمل الدين. فيلزمكم أن الدين لا يزال ناقصا فكيف يعود الدين ناقصا مع اعترافكم بأنه كمل بإعلان إمامة علي؟ هل هذا إلا التناقض والتخبط؟

الشيعة يحاولون الظهور بمظهر المتأدب مع رسول الله مع زعمهم أنه فشل في تربية أصحابه. بينما هم لم يتأدبوا مع الله فقالوا (بدا لله) وزعموا أن (الأئمة هم أسماء الله الحسنى التي أمر الله عباده أن يدعوه بها) فليس لهم أن يظهروا بمظهر المتأدب وقد سبوا الله بهذا الوصف.

أن عمر لم يقل إن الرجل ليهجر. والذي يروي عنه كذبا هو الذي يهجر. وإنما قالها جماعة ذلك، بدليل رواية «فقالوا: ما شأنه؟ أهجر؟ استفهموه، فذهبوا يردون عليه» هكذا بصيغة الجمع دون المنفرد. وقد نص أهل العلم على أن الاستفهام جاء على سبيل الإنكار على من قال لا تكتبوا. فكأنه يقول: لماذا تتوقف عن الكتابة أوتظنه يهذي ختى تتوقف عن الكتابة؟

فإن قالوا: إن القائل (يهجر) هو عمر. قلنا لعل الذي قالها علي فكيف تردون احتمالنا ولا نرد احتمالكم؟ ولعل قائل ذلك أحد حديثي العهد بإسلام.

أما الرواية التي تليها وهي قول عمر: إن رسول الله e غلبه الوجع فإنها مفسرة للفظ الهجر.

كيف يقدم الشيعي رأيه على القرآن؟

إن الصحابة الذين أثنى الله عليهم في القرآن يجب تحسين الظن بهم وحمل كلامهم على أحسن المحامل، أما إساءة الظن بهم فإنه مخالفة أخرى للقرآن. وإن من ظاهر كلام عمر شفقته على رسول الله ص وإصراره عدم تكلف النبي بما قد يزيد من وجعه. ويؤكد هذا الظن الحسن عدم ورورد شيء عن الصحابة ولا عن علي من الإنكار عليه.

بل وتزويج علي ابنته لعمر وتسمية ابنه باسمه ومبايعته له تؤكد حسن ظنه بعمر.

وإلا فيقال: ما بال علي لم يكتب هذا الكتاب الذي منعه عمر ولم يسترجع أرض فدك ولم يدافع عن فاطمة أو يحميها من ضرب عمر لها كما زعمتم.

إن عمر من المهاجرين الذين قال الله فيهم ﴿لَقَد تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَار﴾ِ. فإذا تعارض القرآن مع آرائكم تقدمونها عليه؟

الهجر عند الموت معناه معاناة سكرات الموت بخلاف نسبة الهذيان إلى الصحيح غير المعاني من المرض أو الموت.

الواقفون أمام النبي e عند موته لم يكونوا يستهزئون به ولم يكن المقام مقام استهزاء، إذ لم يعهد مثل هذا عنهم وهم الذين بكوا عليه حتى أنكروا أنفسهم في ذاك اليوم، إن هذا لا يفعله الكفار عند موت قريب لهم فكيف بالصحابة الذين أثنى الله عليهم.. بل كانوا يلاحظون عليه ما يلاحظ على من يعاني من سكرات الموت فكانوا يتساءلون: هل يحصل له ذلك؟

أين هذه الكلمة من كلمة الخميني: إن رسول الله قد فشل في تربية أصحابه؟ (خطاب ألقاه في إذاعة طهران بمناسبة مولد الرضا 15 شعبان1400).

أن القول بأن النبي أراد أن يكتب وصية لعلي فهو من الكذب الرخيص. إذ لا دليل على أن الرسول e أراد أن يكتب شيئا يخص به عليا بالإمامة، ولا يلزم أن كل ما أراده النبي لا بد أن يكون مكتوبا بالضرورة.

وقد حكى المفيد الاجماع على استخلاف النبي لعلي قائلا « واتفقت الإمامية على أن رسول الله e استخلف أمير المؤمنين عليه السلام في حياته وونص عليه بالإمامة بعد وفاته، وأن من دفع ذلك دفع فرضا من الدين» (أوائل المقالات ص44).

فهلا أخبرونا لماذا لم يكتب علي الوصية: أم أنهم سوف يقولون لنا: أراد علي أن يفعل؟

لا يحق للشيعة تفسير وتحليل النصوص. فإنهم كثيرا ما يعارضون بتحليلاتهم كتاب الله. فالنص صريح في القرآن أن الأزواج هن أهل البيت ولا يزال الشيعة يتمسكون بقول زيد بن أرقم ويعرضون عما قال خالقه.

وهم كلما ذكروا حديث التمسك بالثقلين في صحيح مسلم فإنهم يحذفون منه الجزء المهم وهو « فاستمسكوا بكتاب الله وخذوا به فرغب في كتاب الله وحث عليه, ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاث مرات. فقيل لزيد: ومن أهل بيته؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ [وحذف: فقال زيد [يعني زيد بن الأرقم]: إن نساءه من أهل بيته ] ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده، قيل: ومن هم؟ قال: هم آل العباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل، قيل: أكل هؤلاء يحرم الصدقة؟ قال: نعم)) فانظروا بالله عليكم هذا التدليس وفي القرن الحادي والعشرين !! لأن هذا الجزء ((نساءه من أهل بيته)) سوف يهدم كل التُرهات التي بناها هذا الرافضي من قعرها !!

إن كانت الوصية لعلي رضي الله عنه واجبة وتركها النبي فقد زعمتم أنه خان الرسالة وإن كانت مستحبة فهي ليست الوصية بالإمامة لأنها أهم أركان الدين عندكم.

قصة غدير خم تناقض استدلال الشيعة بهذه الرواية. لا فائدة من منعه ص من إنفاذ وصيته وقد شهدها تسعون ألفا بزعمكم يوم غدير خم. فما الفائدة من الحؤول دون الوصية بالإمامة التي شهدها هذا العدد من الصحابة؟

قال الرافضة:

« إن الأكثرية الساحقة كانت على قول عمر (حسبنا كتاب الله) ولذك رأى رسول الله عدم جدوى الكتاب لأنه علو أنهم لن يمتثلوا لوصيته بعد موته.

قلت: يا ليها من تحليلات لا وزن لها في ميزان العلم. ألم يقل الله لنبيه ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ﴾.

فكيف يبلغ الرسول إمامة علي ولا يبلغ الوصية؟

غاية ما عند الشيعة أن النبي غضب فلم يبلغ. وكذلك غضب علي فكتم كتاب الله وأقسم أنهم لن يروه بعد يومهم هذا.

ولما قالوا له نبايعك غضب وقال: دعوني والتمسوا غيري.

وكأنه يقول لهم: آلان تريدون إمامتي وقد حجدتموها من قبل.

فلا الرسول بلغ ولا الله صدق الوعد، وعلي رفض أعظم منصب في الدنيا. هل هذا إلا عين الطعن برسول الله! بقد كان الرسل يتعرضون للتعذيب والقتل والتشريد. ولم يمنعهم ذلك من قول كلمة الحق. ولو كان رسولنا ص يتوقف عن التبليغ لمجرد كلمة تقال له لتوقف عن تبليغ دعوته إلى قريش.

فكما أن النبي أراد الوصية بوحي، فكذلك تركها بوحي. ولو أن الله أوحى له وجوبها لكتب الوصية. ومن يقدر على منع نبي الله إن أصر وقال: أنا نبي موحى من الله والله أمرني أن أكتبها.