يُعَدُّ الإمام شمس الدين الذهبي (ت 748هـ) من أعلام النقد والتحقيق في التراث الإسلامي، فقد برز في علم الحديث والرجال، واشتهر بدقته البالغة في تمحيص الروايات وتقويم المصنفات. ولم يقتصر جهده على الحكم على الأسانيد والرواة، بل تجاوز ذلك إلى التحذير من بعض المصنفات وأصحابها، سواء لضعف منهجهم أو لانحراف عقيدتهم أو لكثرة ما حُشيت به كتبهم من أباطيل وأحاديث موضوعة. وتأتي أهمية هذا الموضوع من كون الذهبي لم يكن ناقلًا مجردًا، بل كان ناقدًا بصيرًا يزن الأقوال بميزان العلم والديانة، فيكشف زيف الباطل، ويُنبه الباحثين والقراء إلى خطر تلك المؤلفات التي قد تُغري من لا خبرة له بمحتواها.
وفي هذا السياق، سنعرض نماذج من أسماء أشخاص وفِرق حذَّر الذهبي من مصنفاتهم، مع بيان أسباب نقده لهم، وذكر بعض ما ورد في كتبه مثل ميزان الاعتدال والسير وغيرها. وهذه النماذج تعكس لنا منهج الذهبي الحازم في الذب عن السنة، وحماية حياض الشريعة من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
القسم الثاني:
ذكر أسماء أشخاص أو فرق حذر الذهبي من مصنفاتهم ولم يصرح باسم المصنفات
1-أبو حيان التوحيدي
وضع رسالة نسبها إلى أبي بكر وعمر مع أبي عبيدة إلى علي رضي الله عنهم جميعًا.
◘قال الذهبي:
وقال أبو نصر السجزي الحافظ فيما يأثروه عنه - جعفر الحكاك - سمعت أبا سعد الماليني يقول: قرأت الرسالة - يعني المنسوبة إلى ابي بكر وعمر مع أبي عبيدة إلى علي رضي الله عنهم - على أبي حيان، فقال: هذه الرسالة عملتها ردًا على الرافضة، وسببه أنهم كانوا يحضرون مجلس بعض الوزراء، وكان يغلون في حال علي، فعملت هذه الرسالة.
◘ قال الذهبي:
قد باء بالاختلاف على الصفوة، وقد رأيتها، وسائرها كذب بين (قال الذهبي في "الميزان" (4/518) في ترجمة أبي حيان هذا بعد أن ذكر تلك الرسالة: قلت: قد اعترف بوضعها، وقد نفاه الوزير المهلبي عن بغداد لسوء عقيدته، وكان يتفلسف).
من مختارات السقيفة: |
¨ الشيعة تقول إن زيارة قبر الحسين أفضل من زيارة بيت الله الحرام
¨ الأكل عند قبر الرضا ينجي من سؤال الملكين
¨ هل زيارة عاشوراء تفوق أعمال الأنبياء؟!
2- "الأستاذ"/ أبو محمّد عبد الله بن محمّد البخاري الحنفي.
◘ قال الذهبي:
قد ألف "مسندًا" لأبي حنيفة الإمام، وتعب عليه، ولكن فيه أوابد ما تفوّه بها الإمام راجت على أبي محمد.
3- "الأهوازي"/ أبو علي الحسن بن علي
◘قال الذهبي:
جمع سيرة لمعاوية، و"مسندًا" في بضعة عشر جزءًا، حشاه بالأباطيل السمجة.
وقال: وألف كتابًا طويلاً في الصفات ( ذكره ابن عساكر باسم "البيان في شرح عقود أهل الإيمان" وقال فيه: الذي صنفه في أحاديث الصفات، واطلع على ما فيه من الآفات، ورأى ما فيه من الأحاديث الموضوعة، والروايات المستنكرة المدفوعة، والأخبار الواهية الضعيفة، والمعاني المتنافية السخيفة كحديث ركوب الجمل، وعرق الخيل، قضى عليه في اعتقاده بالويل أ.هـ)، فيه كذب، ومما فيه حديث عرق الخيل، وتلك الفضائح، فسبه علماء الكلام وغيرهم.
ثم نقل الذهبي كلام ابن عساكر في "تبيين كذب المفترى" عن الأهوازي وكتابه،
قال: لا يستعبرن جاهل كذب الأهوازي فيما أورده من تلك الحكايات، فقد كان أكذب الناس فيما يدَّعي من الروايات في القراءات.
4- "البكري القصاص"
◘قال الذهبي:القصاص الكذاب.
◘ وقال لا يستحيي من كثرة الكذب الذي شحن به مجاميعه وتواليفه (قال الذهبي في "الميزان" (1/112) في ترجمة البكري هذا: فما أجهله وأقل حياه! ما روى حرفًا واحدًا من العلم بسند، ويُقرأ له في سوق الكتبيين كتاب "ضياء الأنوار" و"رأس الغول" و"شر الدهر" وكتاب "كلندجة"، و"حصن الدولاب"، وكتاب "الحصون السبعة" وصاحبها هضام بن الحجاف، وحروب الإمام علي معه وغير ذلك.
وقال في هامش السِّير:
ومن مشاهير كتبه "الذروة" في السيرة النبوية، ما ساق منها غزوة على وجهها، بل كل ما يذكره لا يخلو من بطلان إمّا أصلاً، وإما زيادة (انظر هامش السير) (19/36). )، هو أكذب من مسيلمة.
5- "الحرالي"/ أبو الحسن علي بن أحمد الأندلسي.
◘قال الذهبي:
وعمل تفسيرًا عجيبًا ملأه باحتمالات لا يحتمله الخطاب العربي أصلاً، وتكلم في علم الحروف والأعداد، وزعم أنه استخرج منه وقت خروج الدجال، ووقت طلوع الشمس من مغربها.
6- "الرافضة" / لهم نسخ موضوعة على عليّ بن موسى الرِّضى، كذبوا فيها عليه وفيه.
◘قال الذهبي:
في تلك النسخ (وقال في "الميزان" (3/158): "قد كذب عليه، ووضع عليه نسخة سائرها الكذب، كُذب على جدّه جعفر الصادق، فروى عنه أبو الصلت الهروي أحد المتهمين، ولعلي بن مهدي القاضي عنه نسخة، ولأبي أحمد بن عامر بن سليمان الطائي عنه نسخة كبيرة، ولداود بن سليمان القزويني عنه نسخة"):
فمنها عن أبيه عن جده عن آبائه مرفوعًا:
السبت لنا، والأحد لشيعتنا، والإثنين لبني أمية، والثلاثاء لشيعتهم، والأربعاء لبني العباس، والخميس لشيعتهم، والجمعة للناس جميعًا".
◘ وبه: "لما أسري بي، سقط عرقي، فنبت منه الورد".
◘ وبه: " ادهنوا بالبنفسج، فإنه بارد في العين حار في الشتاء".
◘ وبه: "من أكل رمانة بقشرها، أنار الله قلبه أربعين ليلة"
◘ وبه: "الحناء بعد النورة أمان من الجذام".
◘ وبه: كان النبي (إذا عطس، قال له علي: رفع الله ذكرك، وإذا عطس علي، قال له النبي أعلى الله كعبك).
فهذه أحاديث أباطيل من وضع الضُّلاّل.
7- "عبد المغيث بن زهير بن زهير بن عَلَوي"
له جزء في فضائل يزيد بن معاوية.
◘ قال الذهبي في ترجمته:
وقد ألف جزءًا في فضائل يزيد (قال في "الميزان" (4/440) في ترجمة يزيد: مقدوح في عدالته، ليس بأهل أن يروى عنه، وقال أحمد بن حنبل: لا ينبغي أن يروى عنه، وانظر هامش "السير" (21/ 160).
- أي ابن معاوية - أتى فيه بعجائب وأوابد، لو لم يؤلفه لكان خيرًا، وعمله ردًا على ابن الجوزي، ووقع بينهما عداوة.
8- "الفارابي"
◘ أبو نصر محمّد بن محمّد التركي الفارابي المنطقي.
◘قال الذهبي:
له تصانيف مشهورة، من ابتغى الهدى فيها ضل وحار، ومنها تخرج ابن سينا، نسأل الله العافية.
9- "الفاطميون": (أصحاب الدولة العبيدية)
الباطنية الذين قلبوا الإسلام وأعلنوا بالرفض، وأبطنوا مذهب الإسماعيلية، وبثوا الدعاة، يستغوون الجبليَّة والجهلة.
◘قال الذهبي:
ولهم "البلاغات السبعة": فالأول للعوام، وهو الرفض، ثم البلاغ الثاني للخواص، ثم البلاغ الثالث لمن تمكن، ثم الرابع لمن استمر سنتين، ثم الخامس لم ثبت في المذهب ثلاث سنين ثم السادس لمن أقام أربعة أعوام، ثم الخطاب بالبلاغ السابع، وهو الناموس الأعظم.
◘قال الذهبي:
قال محمّد بن إسحاق النديم: قرأته (أي البلاغ السابع) فرأيت فيه أمرًا عظيمًا من إباحة المحظورات، والوضع من الشرائع وأصحابها وكان في أيام معز الدولة ظاهرًا شائعًا، والدعاة منبثُّون في النواحي، ثم تناقض (أي تناقض أمر مذهب العبيدية، وقل الدعاة فيه).
10- "فخر الدين"
محمّد بن عمر بن الحسين القرشي البكري الطبرستاني.
◘قال الذهبي:
وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم وسحر وانحرافات عن السنة، والله يعفو عنه.