المسألة فيها خلاف بين أهل السنة وهذا راجع إلى الأدلة:
فمنهم من قال بوجود بعض الأدلة التي يفهم منها النص على خلافة أبي بكر الصديق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأذكر هنا بعضاً منها:
الرواية الأولى:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "مرض النبي صلى الله عليه وسلم فاشتد مرضه، فقال: «مروا أبا بكر فليصل بالناس»، قالت عائشة: يا رسول الله! إنه رجل رقيق، إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، فقال: «مري أبا بكر فليصل بالناس»، فعادت، فقال: «مري أبا بكر فليصل بالناس، فإنكن صواحب يوسف»، فأتاه الرسول، فصلى بالناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم" [أخرجه البخاري ومسلم].
الرواية الثانية:
عن عبدالله بن زمعة رضي الله عنه قال: "لما استعز بالنبي صلى الله عليه وسلم - وأنا عنده في نفر من الناس - دعاه بلال إلى الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مروا أبا بكر يصلي بالناس»، قال: فخرجنا، فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكر غائباً، فقلت: يا عمر، قم فصل للناس، فتقدم فكبر، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته، وكان عمر رجلاً مجهراً قال: «فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون»، فبعث إلى أبي بكر، فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالناس".
زاد في رواية قال: "لما أن سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت عمر (قال ابن زمعة)، خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى أطلع رأسه من حجرته، ثم قال: «لا، لا، لا، ليصل بالناس ابن أبي قحافة». يقول ذلك مغضباً" [أخرجه أبو داود وهو حديث حسن].
التعليق على هذا الحديث:
في هذا الحديث من الفوائد ما يلي:
1) اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر ليصلي بالناس دليل على إمامته؛ لأن الصلاة أشرف عمل للمسلمين، وإمامتها مهمة الإمام والقائد، ولذلك كان لا يؤم الجيش إلا القائد، فتقديم الرسول لأبي بكر ليصلي بالناس من أعظم الأدلة أنه قد ارتضاه بل عينه إماماً للناس في كل الشئون؛ لأن الصلاة هي العنوان وهي أعظم شئون المسلمين.
وكذلك اختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ليصلي بالناس أعظم دليل على تقديمه وتزكيته لتولي أمور المسلمين والقيام بالأمر من بعده. كما استدل بذلك الصحابة وقالوا "رضيه رسول الله لديننا، أفلا نرضاه لدنيانا؟!". وذلك أن الصلاة هي أعظم أعمال الإسلام بعد الشهادتين والإيمان، وهي أعظم أعمال الخلفاء والولاة كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ﴾ [الحج:41]، فبدأ بالصلاة أولاً حتى يشعرنا أنها أعظم أعمال الدين وأعظم أفعال ولاة الأمور، واختيار الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ليؤم الناس في مرض موته أصرح الدلالات على أن الرسول صلى الله عليه وسلم اختار الصديق لإمامة المسلمين وخلافة النبوة.
2) إصرار الرسول صلى الله عليه وسلم على تولية أبي بكر يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن ليدع أهم الأمور وهي إمامة المسلمين دون أن يرشد إليها ويبينها وفي تولية الصديق الإمامة أتم البيان.
الرواية الثالثة:
روى البخاري بإسناده عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك، كأنها تقول الموت، قال عليه الصلاة والسلام: «إن لم تجديني فأتي أبا بكر».
وهذه شهادة من الرسول صلى الله عليه وسلم وخبر صادق منه، ودلالة من دلائل نبوته وصدقه صلى الله عليه وسلم أن الذي سيرجع إليه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إنما هو الصديق رضي الله عنه، فأي شهادة أبلغ من هذه وأصرح للدلالة على أن المرجع بعد الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو أبو بكر رضي الله عنه.
الرواية الرابعة:
روى الإمام البخاري بإسناده عن الزهري، قال أخبرني ابن المسيب سمع أبا هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو، فنزعت منها ما شاء الله، ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقرياً من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن».
إن الخلافة بعد الرسول إنما تكون لأبي بكر ثم عمر، وإن خلافة الصديق تكون قصيرة ثم تأتي خلافة الفاروق حيث يفيض المال، وتعظم الفتوح، وتستحيل دولة الإسلام إلى دولة عظمى، حتى يضرب الناس بعطن. (والعطن) هو مرقد الإبل، وهذه كناية وإشارة إلى استقرار الأمة، وكثرة عددها وقيام سوقها.
الرواية الخامسة:
أخرج الإمام مسلم في صحيحه أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم في أوائل مرضه وهو عند السيدة عائشة: «ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتاباً؛ فإني أخاف أن يتمنى متمنٍ، ويقول قائل، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر».
وهنا قال بعض علماء الحديث: إن النبي عليه الصلاة والسلام أراد أن ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع بينهم الاختلاف.
خلاصة القول:
أن هذه الأحاديث يوجد فيها إشارات واضحة على أن الخليفة بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام هو أبو بكر رضي الله عنه.
أما قول الذين ذهبوا إلى أن الخلافة شورى فهؤلاء استندوا على قول الله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى:38]، وكذلك استندوا على واقعة السقيفة وما تم فيها بين الصحابة.
هذه هي المسألة بكل بساطة، وليس فيها تعارض أبداً، وإنما التعارض الكبير هو موجود عند الشيعة الاثني عشرية؛ إذ أنهم يدعون العصمة وعدم التناقض للأئمة الاثني عشر، وأنهم جميعاً منصوص عليهم من الله تعالى، ولكننا نجد في الواقع التناقض من بعض الأئمة المعصومين، فنجد علياً رضي الله عنه قاتل معاوية رضي الله عنه، ثم يأتي ابنه الحسن رضي الله عنه ويتنازل عن الإمامة المنصوص عليها من الله تعالى لرجل (كافر) عند الرافضة مع أنه كان تحت يده قرابة العشرين ألف مقاتل، ثم نجد كذلك التناقض في فعل الإمام المعصوم الحسين رضي الله عنه حين خرج على يزيد بن معاوية ولم يكن تحت يده إلا بضعة وسبعون رجلاً مقاتل فقط.
ما هذا التناقض والكل معصوم؟!
فإن قال الرافضي: إنه لم يكن هناك أي نص واضح على أبو بكر، ولو كان هناك نص واضح لما قال عمر أنها كانت فلتة وقى الله شرها؟!
فالجواب:
أولاً: ليس هناك نص صريح من النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
ثانياً: مقولة عمر رضي الله عنه: "فلته وقى الله شرها".
نجد أن الرافضة هنا دائماً يأخذون من الروايات ما يروق لهم القصد، منها التدليس على القارئ، بينما نجد لو أن الرافضة نقلوا لنا الرواية كاملة بشرحها لبطلت شبهتهم من الأساس.
وهنا أنقل العبارة كاملة ثم أذكر شرحها ليتبين المقصود منها:
أولاً: هذه العبارة وردت في صحيح البخاري كتاب الحدود باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت
وأنقل هنا العبارة كاملة: ((ثُمَّ إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ يَقُولُ وَاللَّهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَر بَايَعْتُ فُلَانًا فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَتَمَّتْ أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ وَلَكِنَّ اللَّهَ وَقَى شَرَّهَا وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الْأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ)).
وأذكر الآن الشرح:
قال شارح البخاري الحافظ ابن حجر رحمه الله:
((قوْله: (أَلَا وَإِنَّهَا) أَيْ بَيْعَة أَبِي بَكْر.
قَوْله: (قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ) أَيْ فَلْتَة, وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَة إِسْحَاق بْن عِيسَى عَنْ مَالِك, حَكَى ثَعْلَب عَنْ اِبْن الْأَعْرَابِيّ وَأَخْرَجَهُ سَيْف فِي الْفُتُوح بِسَنَدِهِ عَنْ سَالِم بْن عَبْد اللَّه بْن عُمَر نَحْوه قَالَ: الْفَلْتَة اللَّيْلَة الَّتِي يُشَكّ فِيهَا هَلْ هِيَ مِنْ رَجَب أَوْ شَعْبَان وَهَلْ مِنْ الْمُحَرَّم أَوْ صَفَر, كَانَ الْعَرَب لَا يُشْهِرُونَ السِّلَاح فِي الْأَشْهُر الْحُرُم فَكَانَ مَنْ لَهُ ثَأْر تَرَبَّصَ فَإِذَا جَاءَتْ تِلْكَ اللَّيْلَة اِنْتَهَزَ الْفُرْصَة مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَحَقَّق اِنْسِلَاخ الشَّهْر فَيَتَمَكَّن مِمَّنْ يُرِيد إِيقَاع الشَّرّ بِهِ وَهُوَ آمِنٌ فَيَتَرَتَّب عَلَى ذَلِكَ الشَّرّ الْكَثِير, فَشَبَّهَ عُمَر الْحَيَاة النَّبَوِيَّة بِالشَّهْرِ الْحَرَام وَالْفَلْتَة بِمَا وَقَعَ مِنْ أَهْل الرِّدَّة وَوَقَى اللَّه شَرَّ ذَلِكَ بِبَيْعَةِ أَبِي بَكْر لِمَا وَقَعَ مِنْهُ مِنْ النُّهُوض فِي قِتَالهمْ وَإِخْمَاد شَوْكَتهمْ, كَذَا قَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَال: الْجَامِع بَيْنهمَا اِنْتِهَاز الْفُرْصَة, لَكِنْ كَانَ يَنْشَأ عَنْ أَخْذ الثَّأْر الشَّرّ الْكَثِير فَوَقَى اللَّه الْمُسْلِمِينَ شَرَّ ذَلِكَ فَلَمْ يَنْشَأ عَنْ بَيْعَة أَبِي بَكْر شَرٌّ بَلْ أَطَاعَهُ النَّاس كُلّهمْ مَنْ حَضَرَ الْبَيْعَة وَمَنْ غَابَ عَنْهَا. وَفِي قَوْله " وَقَى اللَّه شَرَّهَا " إِيمَاء إِلَى التَّحْذِير مِنْ الْوُقُوع فِي مِثْل ذَلِكَ حَيْثُ لَا يُؤْمَن مِنْ وُقُوع الشَّرّ وَالِاخْتِلَاف.
قَوْله: (وَلَكِنَّ اللَّه وَقَى شَرّهَا) أَيْ وَقَاهُمْ مَا فِي الْعَجَلَة غَالِبًا مِنْ الشَّرّ, لِأَنَّ مِنْ الْعَادَة أَنَّ مَنْ لَمْ يَطَّلِع عَلَى الْحِكْمَة فِي الشَّيْء الَّذِي يَفْعَل بَغْتَة لَا يَرْضَاهُ, وَقَدْ بَيَّنَ عُمَر سَبَب إِسْرَاعهمْ بِبَيْعَةِ أَبِي بَكْر لِمَا خَشَوْا أَنْ يُبَايِع, الْأَنْصَارُ سَعْد بْن عُبَادَةَ, قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: عَاجَلُوا بِبَيْعَةِ أَبِي بَكْر خِيفَة اِنْتِشَار الْأَمْر وَأَنْ يَتَعَلَّق بِهِ مَنْ لَا يَسْتَحِقّهُ فَيَقَع الشَّرّ. وَقَالَ الدَّاوُدِيّ: مَعْنَى قَوْله " كَانَتْ فَلْتَة " أَنَّهَا وَقَعَتْ مِنْ غَيْر مَشُورَة مَعَ جَمِيع مَنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشَاوَر, وَأَنْكَرَ هَذِهِ الْكَرَابِيسِيّ صَاحِبُ الشَّافِعِيّ وَقَالَ: بَلْ الْمُرَاد أَنَّ أَبَا بَكْر وَمَنْ مَعَهُ تَفَلَّتُوا فِي ذَهَابهمْ إِلَى الْأَنْصَار فَبَايَعُوا أَبَا بَكْر بِحَضْرَتِهِمْ, وَفِيهِمْ مَنْ لَا يَعْرِف مَا يَجِب عَلَيْهِ مِنْ بَيْعَته فَقَالَ: مِنَّا أَمِير وَمِنْكُمْ أَمِير, فَالْمُرَاد بِالْفَلْتَةِ مَا وَقَعَ مِنْ مُخَالَفَة الْأَنْصَار وَمَا أَرَادُوهُ مِنْ مُبَايَعَة سَعْد بْن عُبَادَةَ وَقَالَ اِبْن حِبَّان: مَعْنَى قَوْله " كَانَتْ فَلْتَة " أَنَّ اِبْتِدَاءَهَا كَانَ عَنْ غَيْر مَلَأ كَثِير, وَالشَّيْء إِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُقَال لَهُ الْفَلْتَة فَيُتَوَقَّع فِيهِ مَا لَعَلَّهُ يَحْدُث مِنْ الشَّرّ بِمُخَالَفَةِ مَنْ يُخَالِف فِي ذَلِكَ عَادَة, فَكَفَى اللَّه الْمُسْلِمِينَ الشَّرّ الْمُتَوَقَّع فِي ذَلِكَ عَادَة, لَا أَنَّ بَيْعَة أَبِي بَكْر كَانَ فِيهَا شَرٌّ.
قَوْله: (وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تُقْطَع الْأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْل أَبِي بَكْر) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يُرِيد أَنَّ السَّابِق مِنْكُمْ الَّذِي لَا يُلْحَق فِي الْفَضْل لَا يَصِل إِلَى مَنْزِلَة أَبِي بَكْر, فَلَا يَطْمَع أَحَد أَنْ يَقَع لَهُ مِثْل مَا وَقَعَ لِأَبِي بَكْر مِنْ الْمُبَايَعَة لَهُ أَوَّلًا فِي الْمَلَأ الْيَسِير ثُمَّ اِجْتِمَاع النَّاس عَلَيْهِ وَعَدَم اِخْتِلَافهمْ عَلَيْهِ لِمَا تَحَقَّقُوا مِنْ اِسْتِحْقَاقه فَلَمْ يَحْتَاجُوا فِي أَمْره إِلَى نَظَر وَلَا إِلَى مُشَاوَرَة أُخْرَى, وَلَيْسَ غَيْره فِي ذَلِكَ مِثْله. اِنْتَهَى مُلَخَّصًا. وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى التَّحْذِير مِنْ الْمُسَارَعَة إِلَى مِثْل ذَلِكَ حَيْثُ لَا يَكُون هُنَاكَ مِثْل أَبِي بَكْر لِمَا اِجْتَمَعَ فِيهِ مِنْ الصِّفَات الْمَحْمُودَة مِنْ قِيَامه فِي أَمْر اللَّه, وَلِين جَانِبه لِلْمُسْلِمِينَ, وَحُسْن خُلُقه, وَمَعْرِفَته بِالسِّيَاسَةِ, وَوَرَعه التَّامّ مِمَّنْ لَا يُوجَد فِيهِ مِثْل صِفَاته لَا يُؤْمَن مِنْ مُبَايَعَته عَنْ غَيْر مَشُورَة الِاخْتِلَافُ الَّذِي يَنْشَأ عَنْهُ الشَّرّ, وَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ " تُقْطَع الْأَعْنَاق " لِكَوْنِ النَّاظِر إِلَى السَّابِق تَمْتَدّ عُنُقُهُ لِيَنْظُر, فَإِذَا لَمْ يَحْصُل مَقْصُوده مِنْ سَبْق مَنْ يُرِيد سَبْقه قِيلَ اِنْقَطَعَتْ عُنُقه, أَوْ لِأَنَّ الْمُتَسَابِقَيْنِ تَمْتَدّ إِلَى رُؤْيَتهمَا الْأَعْنَاق حَتَّى يَغِيب السَّابِق عَنْ النَّظَر, فَعَبَّرَ عَنْ اِمْتِنَاع نَظَره بِانْقِطَاعِ عُنُقه. وَقَالَ اِبْن التِّين: هُوَ مَثَل, يُقَال لِلْفَرَسِ الْجَوَاد تَقَطَّعَتْ أَعْنَاق الْخَيْل دُون لَحَاقه, وَوَقَعَ فِي رِوَايَة أَبِي مَعْشَر الْمَذْكُورَة " وَمِنْ أَيْنَ لَنَا مِثْل أَبِي بَكْر تُمَدّ أَعْنَاقُنَا إِلَيْهِ")).
وقال صاحب التحفة الاثني عشرية الالوسي رحمه الله تعالى: ((هذا الكلام صدر من عمر في زجر رجل كان يقول: ان مات عمر ابايع فلانا وحدي او مع اخر كما كان في مبايعة ابي بكر ثم استقر الامر عليها، فمعنى كلام الفاروق في رده القول ان بيعة رجلين شخصا من غير تأمل سابق ومراجعة اهل الحل والعقد ليست صحيحة وبيعة ابي بكر وان كانت فجأة بسبب مناقشة الانصار وعدم وجود فرصة للمشورة فقد حلت محلها وصادفت اهلها للدائل الدالة على ذلك والقرائن القائمة على ماهنالك كإمامة الصلاة ونحوها وهذا معنى (وقى الله شرها) فلايقاس غيره بها وفي اخر هذه الرواية التي رواها الشيعة(وايكم مثل ابي بكر) اي في الافضلية والخيرية وعدم الاحتياج الى المشورة)). انتهى كلامه.
الآن إخواني أتضح ما المقصود ((بكلمة فلته وقى الله شرها)).
بقي نقطة واحدة، وهي: أنها حين يقول الرافضي بأن الخلافة إنما هي نص من الله تعالى وليست شورى فإننا نقول له:
طالما أن الخلافة ليست شورى ولا بيد أحد؛ فإننا فنجد علياً رضي الله عنه قاتل معاوية رضي الله عنه، ثم يأتي ابنه الحسن رضي الله عنه ويتنازل عن الإمامة المنصوص عليها من الله تعالى لرجل (كافر) عند الرافضة مع أنه كان تحت يده قرابة العشرين ألف مقاتل؟!
ثم نجد كذلك التناقض في فعل الإمام المعصوم الحسين رضي الله عنه حين خرج على يزيد بن معاوية ولم يكن تحت يده إلا بضعة وسبعون رجلاً مقاتل فقط.
ما هذا التناقض والكل معصوم، والنص واحد على إمام من الله تعالى بالخلافة؟!