لم يكن الحكم بإباحة الخمس وإسقاطه عن الشيعة ، وعدم إلزامهم به قولاً للأئمة فقط -وإن كان هذا يكفي؛ لأن قول الإمام حجة -حسب قواعد المذهب- ولا اجتهاد مع النص أو قول الإمام، وإنما على هذا الحكم أيضاً كبار فقهاء المذهب ومشاهيره على مر التاريخ محتجين بهذه الروايات التي أسلفنا ذكرها مما يدل صراحة على اعتبارها عندهم.

من هؤلاء الفقهاء:

ا- العلامة أحمد الأردبيلي (ت 993هـ): الذي كان أبرز فقهاء عصره على الإطلاق حتى لُقب بالفقيه المقدس!!

يقول الأردبيلي: اعلم أن عموم الأخبار.. يدل على السقوط بالكلية في  زمان الغيبة والحضور، بمعنى عدم الوجوب الحتمي... وهذه الأخبار هي التي دلت على السقوط حال الغيبة، وكون الإيصال مستحباً أي: زمن الحضور كما هو مذهب البعض مع ما مر من عدم تحقق الوجوب إلا قليلاً لعدم دليل قوي على الأرباح والمكاسب وعدم الغنيمة. مجمع الفائدة والبرهان (4/355- 358).

تأمل التشابه بين هذه الفتوى ونصوص الأئمة السابقة، وكيف يستدل على سقوط الخمس بالأخبار الواردة عن الأئمة.

2- محمد الباقر السبزواري (1018هـ-1090هـ):

قال في ذخيرة المعاد: المستفاد من الأخبار الكثيرة في بحث الأرباح كصحيحة الحارث بن المغيرة النضري، وصحيحة الفضلاء وصحيحة زرارة وصحيحة علي بن مهزيار، وصحيحة ضريس وحسنة الفضيل، ورواية محمد بن مسلم ورواية داود بن كثير ورواية الحارث بن المغيرة ورواية معاد بن كثير، ورواية إسحاق بن يعقوب، ورواية عبد الله بن سنان، ورواية حكم مؤذن بني عبس، إباحة الخمس للشيعة (ذخيرة المعاد (ص:292))

وقد خير بين الإباحة وبين حفظ حصة الإمام إلى حين ظهوره أو قيام الفقيه بصرفه احتياطاً على سبيل الاستحباب لا الوجوب في موضع آخر ذخيرة المعاد (ص:291).  مع ميله الشديد إلى الإباحة عملاً بالأخبار الواردة.

 3- الشيخ محمد حسن النجفي (ت 1266هـ):
لاحظ تاريخ الوفاة المتأخر: منتصف القرن الثالث عشر الهجري قال بعد استعراضه الأخبار التي تحلل الخمس للشيعة:

وكيف كان فسبر هذه الأخبار المعتبرة الكثيرة التي كادت تكون متواترة المشتملة على التعليل العجيب والسر الغريب يشرف الفقيه على القطع بإباحتهم عليهم السلام شيعتهم -زمن الغيبة بل والحضور الذي هو كالغيبة في قصور اليد وعدم بسطها- سائر حقوقهم عليهم السلام في الأنفال، بل وغيرها مما كان في أيديهم...

أما غير الشيعة فمحرم عليهم أشد تحريم وأبلغه ولا يدخل في أملاكهم شيء منها.  جواهر الكلام (16/141).

لاحظ كيف يستدل على الإباحة بالأخبار الواردة عن الأئمة ويصفها بأنها معتبرة، ويقول عن الإباحة في كلامه اللاحق أنها ثبتت شرعاً، إذ قال أيضاً:

صرح جماعة -أي: من الفقهاء- بأنه ثبت شرعاً إباحتهم عليهم السلام المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة وإن كان ذلك بأجمعه للإمام أو بعضه فإنه مباح ولا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه. المصدر السابق (ص:145) 

4- السيد محمد علي الطباطبائي (ت 1009هـ):

قال- عن الخمس والأنفال في حال الغيبة-: الأصح إباحة الجميع كما  نص عليه الشهيدان وجماعة، للأخبار الكثيرة المتضمنة لإباحة حقوقهم في حال الغيبة وكيف كان، فإن المستفاد من الأخبار المتقدمة إباحة حقوقهم عليهم السلام من جميع ذلك.  مدارك الأحكام (ص:344).

لاحظ كيف أن القائلين بالإباحة يحتجون لقولهم بالأخبار الواردة عن الأئمة، وكيف أن المخالفين لهم يغمضون أعينهم عنها!

5- الشهيد الثاني (911 هـ- 966هـ):

قال بإباحة الأنفال بشكل مطلق في حال الغيبة، وليس إباحة المناكح والمساكن والمتاجر فقط، وقال: إن الأصح هو ذلك. مسالك الأفهام (ص:68).

6- العلامة سلار :

قال: إن الأئمة عليهم السلام قد أحلوا الخمس في زمان الغيبة كرماً وفضلاً للشيعة خاصة. المراسم/ كتاب الخمس (ص:633)

لاحظ تعبيره: إن الأئمة عليهم السلام قد أحلوا الخمس... إلخ.

7- الشيخ يحيى بن سعيد الحلي (601هـ-690هـ):

مال إلى إباحة الخمس وغيره للشيعة حال الغيبة كرماً من الأئمة وفضلاً، ولما استعرض اختلاف أقوال الفقهاء من الإباحة المطلقة إلى الحفظ والوصية والدفن والتفريق والصرف على الفقراء الصالحين عقَّب قائلاً: الله أعلم. الجامع للشرائع (ص:151).

 وإذن فالأئمة أباحوا الخمس كرماً وفضلاً، فبأي حق نوجب على الناس ما أباحه الأئمة أنفسهم؟!!

وقد قال جماعة من الفقهاء بإباحة خمس المناكح والمساكن والمتاجر حال الغيبة منهم:

8- شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (ت 460هـ). النهاية في مجرد الفقه والفتاوى (ص:22).

9- المحقق الحلي نجم الدين جعفر بن الحسن (602هـ- 676هـ) شرائع الإسلام / كتاب الخمس (1/182-183)

10- العلامة الحسن بن المطهر الحلي (ت 709 هـ).تحرير الأحكام (ص:75).

11- القاضي ابن براج (المتوفى في منتصف القرن الخامس الهجري). الدروس الشرعية (ص:70).

12- الشهيد الأول (ت 786هـ).  الدروس الشرعية (ص:70).