الحقيقة الساطعة في مواجهة الافتراءات الباطلة:

لقد قامت الفرق الضالة التي انحرفت عن صراط أهل السنة والجماعة، وعلى رأسها الشيعة التي ليست من المسلمين لتطرفها وبُعدها عن الأصول الثابتة، بتأسيس عقائدها على تشويه التاريخ وتحريف الحقائق، وخاصة ما يتعلق بمكانة الصحابة الكرام. ومن أبرز افتراءاتهم الباطلة محاولتهم تصوير العلاقة بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وبين أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما على أنها علاقة عداء وبغضاء دائمة، استنادًا إلى أحداث الفتنة.

لكن التاريخ الصحيح يشهد على غير ذلك، ويُظهر معدن الصحابة الكرام وسمو أخلاقهم، وخاصةً موقف الإمام عليّ من عائشة بعد واقعة الجمل. إنّ هذا الموقف يمثل نموذجًا للإنصاف والتقدير والاحترام الواجب لزوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، وهو ما نسعى لتسليط الضوء عليه في هذا المقال؛ لـدحض شبهات الفرقة الضالة وتثبيت الحقيقة التاريخية والشرعية.

شهادة الإنصاف من علي لعائشة بعد موقعة الجمل:

تُعد واقعة الجمل التي حدثت في مستهل رجب سنة ست وثلاثين للهجرة اختبارًا عظيمًا للصحابة، وقد انتهت بانتصار جيش علي رضي الله عنه. ومع ذلك، فإنّ ما حدث بعد المعركة مباشرة هو الذي يُسجَّل بأحرف من نور كبرهان على النزاهة والإنصاف والتقدير الشرعي لمكانة أم المؤمنين عائشة.

إكرام علي لعائشة وتجهيز مركبها:

بعد انتهاء القتال، أظهر علي بن أبي طالب رضي الله عنه تقديرًا بالغًا لأم المؤمنين، لا يفعله إلا الأكابر:

تجهيز الوداع: لما أرادت أم المؤمنين عائشة الخروج من البصرة، بعث إليها علي رضي الله عنه بكل ما ينبغي من مركب وزاد ومتاع وغير ذلك.

الحماية والتشييع: اختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات لحمايتها، وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر.

المسيرة والوداع: سار علي معها مودعًا ومشيّعًا أميالًا، وسرَّح بَنِيه معها بقية ذلك اليوم، حتى عادت إلى مكة ثم المدينة في مأمنها.

شهادة علي وعائشة بنفي العداء:

جاءت كلمات كل من علي وعائشة لتضع حدًا فاصلًا لأي مزاعم بوجود عداء شخصي دائم بينهما، مؤكدين على عظمة العلاقة الشرعية والنبوية التي تربطهما:

تصريح عائشة: قالت أم المؤمنين للناس مودعة: «يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه على معتبتي لمن الأخيار».

تأييد علي: فقال علي رضي الله عنه: «صدقت والله كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة».

هذه الشهادة العظيمة من علي تؤكد أن الخلاف كان سببه اجتهادًا سياسيًا غير شخصي، وأنها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، وهي شهادة لا يقولها إلا مُنصِف يُدرك حقها الشرعي العظيم.

وصف علي لعائشة بـ "خليلة رسول الله":

شهد التاريخ على استمرار تقدير علي لعائشة رضي الله عنهما، حتى بعد الفتنة. فقد روى الذهبي في سير أعلام النبلاء بسند حَسَن، أن علي بن أبي طالب ذكر عائشة فقال: «خليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم».

قال الذهبي معلقًا: "هذا يقوله أمير المؤمنين في حق عائشة مع ما وقع بينهما، فرضي الله عنهما".

وهذا يثبت أن الخلاف كان عارضًا، وأن مكانتها الشرعية كمحبة النبي لم تتغير عند علي.

ندم عائشة على المسير:

دلّت الآثار على ندم عائشة رضي الله عنها على خروجها ومسيرها إلى البصرة، وإدراكها أن الأمر قد بلغ ما لم تظنه:

عن عمارة بن عمير، عمن سمع عائشة: إذا قرأت: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ﴾ [الأحزاب: 33] بكت حتى تبل خمارها.

وهذا الندم دليل على اجتهادها الذي لم يُصِب، وتأكيد على عودتها إلى الحكم القرآني، وهو من شيم الصالحين.

الشبهة والرد عليها: الافتراء على الخلاف التاريخي:

الشبهة:

 تزعم الفرق الضالة (الشيعة) أن الخلاف بين علي وعائشة كان عداءً دائمًا وعقائديًا، وأن عليًا لم يُظهر التقدير لعائشة إلا نفاقًا أو مجاملة.

الرد والإبطال:

شهادة النبوة المسبقة: الحديث الذي رواه أحمد والبزار والطبراني بسند حَسَن، عن أبي رافع، ولما أرادت أم المؤمنين عائشة الخروج من البصرة بعث إليها علي رضي الله عنه بكل ما ينبغي من مركب وزاد ومتاع وغير ذلك، وأذن لمن نجا ممن جاء في الجيش معها أن يرجع إلا أن يحب المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وسير معها أخاها محمد بن أبي بكر، فلما كان اليوم الذي ارتحلت فيه جاء علي فوقف على الباب وحضر الناس وخرجت من الدار في الهودج فودعت الناس ودعت لهم، وقالت: يا بني لا يعتب بعضنا على بعض، إنه والله ما كان بيني وبين علي في القدم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه على معتبتي لمن الاخيار. فقال علي: صدقت والله كان بيني وبينها إلا ذاك، وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة. وسار علي معها مودعا ومشيعا أميالا، وسرح بنيه معها بقية ذلك اليوم - وكان يوم السبت مستهل رجب سنة ست وثلاثين - وقصدت في مسيرها ذلك إلى مكة فأقامت بها إلى أن حجت عامها ذلك ثم رجعت إلى المدينة رضي الله عنها.

قال ابن حجر في فتح الباري (13/46) وهذا يؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عليًا مسبقًا: «إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر». وقد أمر النبي عليًا: «ولكن إذا كان ذلك فأرددها إلى مأمنها».

وَأَخْرَجَ أَحْمَد وَالْبَزَّار بِسَنَدٍ حَسَن مِنْ حَدِيث أَبِي رَافِع أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب: إِنَّهُ سَيَكُونُ بَيْنَك وَبَيْنَ عَائِشَة أَمْر، قَالَ: فَأَنَا أَشْقَاهُمْ يَا رَسُول اللَّه؟ قَالَ: (لَا وَلَكِنْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ فأرددها إِلَى مَأْمَنهَا)

وأخرج الهيثمي في مجمع الزوائد 7/234 [كتاب الفتن، باب فيما كان في الجمل وصفين وغيرهما]:

وعن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب: ((إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر)) قال: أنا يا رسول الله؟ قال: ((نعم)) قال: أنا أشقاهم يا رسول الله، قال: ((لا، ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها)) . رواه أحمد والبزار والطبراني ورجاله ثقات

إنّ عليًا رضي الله عنه لم يتجاوز الخلاف إلى العداء، بل نفّذ وصية النبي صلى الله عليه وسلم بردها إلى مأمنها بأكرم وجه، وهذا دليل على اتباعه للسنة النبوية، وليس مجرد مجاملة.

شهادة علي لها بالزوجية الأبدية: وصف علي رضي الله عنه لعائشة بأنها "زوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة" فعن زياد بن أيوب: حدثنا مصعب بن سلام: حدثنا محمد بن سوقة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه قال: انتهينا إلى علي رضي الله عنه، فذكر عائشة، فقال: ((خليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم)). هذا حديث حسن.

ومصعب فصالح لا بأس به. وهذا يقوله أمير المؤمنين في حق عائشة مع ما وقع بينهما، فرضي الله عنهما. ولا ريب أن عائشة ندمت ندامة كلية على مسيرها إلى البصرة وحضورهما يوم الجمل، وما ظنت أن الامر يبلغ ما بلغ. فعن عمارة بن عمير، عمن سمع عائشة: إذا قرأت: {وقرن في بيوتكن} [الاحزاب: 33] بكت حتى تبل خمارها.

هو شهادة شرعية وعقدية تُلزمه باحترامها، وتُكذّب أي ادعاء بالعداء العقدي، وهو ما يُسقط افتراءات الفرقة الضالة.

الخلاف اجتهاد لا كفر: الخلاف بين الصحابة لم يكن خلافًا على أصول الدين أو العقيدة، بل كان اجتهادًا سياسيًا في أمر الخلافة، والمجتهد مأجور إن أصاب واعتذر إن أخطأ، والجميع كانوا من الأخيار كما شهد علي وعائشة أنفسهما.

المصادر:

1)      البداية والنهاية لابن كثير (7/274).

2)      فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني (13/46).

3)      مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي (7/234).

4)      سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي (2/177).