كعادتها في تزوير التاريخ وتشويه رموز الإسلام، تستمرّ فرقة الشيعة الضالّة في بثّ الأكاذيب واختلاق الروايات الباطلة التي تمسّ الصحابة الكرام وأهل البيت الأطهار رضي الله عنهم جميعًا. ومن أبرز ما اخترعوه من الأباطيل دعواهم أنّ الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه لم يكن يُبالي بمقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفّان رضي الله عنه، أو أنّه كان راضيًا عن قتَلَته، وهذا من أعظم الكذب والزور.
لقد تناقضت روايات الشيعة في هذا الباب تناقضًا فاضحًا، فبينما تزعم بعض مصادرهم أنّ عليًّا لم يلعن قتلة عثمان، تثبت كتب التاريخ الموثوقة من مصادر السنّة والشيعة على السواء أنّ عليًّا رضي الله عنه دعا على قتلة عثمان صراحة، ولعنهم على رؤوس الأشهاد.

وهذا المقال يقدّم عرضًا موثّقًا من كتب التاريخ المعتمدة كـ تاريخ الطبري، ومصنّف ابن أبي شيبة، والبداية والنهاية، ونهج البلاغة نفسه، يبيّن بوضوح أنّ الإمام عليّ رضي الله عنه كان بريئًا من دم عثمان، ولعن قتَلَته، خلافًا لما يروّجه الشيعة لتبرير مواقف الخوارج والسبئية الذين شاركوا في الفتنة.

أولاً: موقف عليّ رضي الله عنه من قتلة عثمان

روى الإمام الطبري في تاريخ الأمم والملوك (3/523) أن عائشة رضي الله عنها قالت يوم الجمل:

«أيها الناس، العَنوا قتلة عثمان وأشياعهم»، فأقبلت تدعو، وضجّ أهل البصرة بالدعاء، وسمع عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه الدعاة فقال: ما هذه الضجّة؟ فقيل له: عائشة تدعو ويدعون معها على قتلة عثمان وأشياعهم، فأقبل يدعو ويقول: (اللَّهُمَّ العَنْ قَتَلَةَ عُثْمَانَ وَأَشْيَاعَهُمْ).

وقد نقل ابن كثير هذا الخبر في البداية والنهاية (7/270) مؤكّدًا أن الإمام عليّ شارك في الدعاء على قتلة عثمان، مما يدلّ على براءته من دم عثمان ومشاركته في لعن القتلة، لا كما يدّعي الشيعة من أنه كان ساكتًا أو راضيًا.

ثانيًا: رواية ابن أبي شيبة في تأكيد لعن عليٍّ لقتلة عثمان

قال ابن أبي شيبة في مصنفه (8/716):

«حدثنا يعلى بن عبيد، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي الضحى، عن أبي حفص، قال: سمع عليّ يوم الجمل صوتًا تلقاء أم المؤمنين، فقال: انظروا ما يقولون، فرجعوا فقالوا: يهتفون بقتلة عثمان، فقال: اللَّهُمَّ أَحْلِلْ بِقَتَلَةِ عُثْمَانَ خِزْيًا».

وهذا نصٌّ صريح في دعاء عليّ رضي الله عنه على القتلة بالخزي واللعنة، وهو حديث له إسناد قويّ، رواه الحفاظ من أهل الحديث دون نكير، مما ينسف دعاوى الشيعة بأنّ الإمام عليّ كان متعاطفًا مع قتلة عثمان.

ثالثًا: شهادة نهج البلاغة نفسه

حتى في كتاب نهج البلاغة الذي يُعدّ من أهم مصادر الشيعة، ورد قول الإمام عليّ رضي الله عنه:

«وكان بدء أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، لا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ﷺ، ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء».
(نهج البلاغة ج3 ص114)

فهنا يصرّح الإمام عليّ رضي الله عنه بأنه بريء من دم عثمان، وهذا نصّ قاطع على أنّه لم يرضَ بقتله ولا شارك فيه، بل كان يرى ضرورة القصاص ممن باشر تلك الجريمة.

رابعًا: الردّ على الشبهة الشيعية

الشبهة:
يزعم الشيعة أن عليًّا رضي الله عنه لم يلعن قتلة عثمان ولم يطالب بدمه، وأنّ الخلاف بينه وبين معاوية كان بسبب رفضه تسليم القتلة.

الرد:
هذه دعوى باطلة؛ إذ الثابت أنّ عليًّا رضي الله عنه دعا على القتلة، كما في الروايات السابقة، ولكنّه لم يُسلّمهم لمعاوية قبل أن يستتبّ الأمن وتقوم الدولة، لأنّ القتلة كانوا منتشرِين في صفوف الجند، وكان تسليمهم في تلك المرحلة سيؤدّي إلى فتنة عظيمة، فاختار تأجيل القصاص حتى تهدأ الفتنة.

وقد شهد بذلك كبار الصحابة، وكان ذلك اجتهادًا شرعيًا منه، لا يدلّ بحال على رضاه عنهم.

أما ادعاء الشيعة أنّه كان مؤيّدًا لهم فهو مخالف لما في نهج البلاغة من إدانته لهم واعترافه ببراءته من دم عثمان.

خامسًا: دلالة هذه النصوص على عدالة الصحابة ووحدة موقفهم

هذه النصوص تثبت بوضوح أنّ الصحابة الكرام، وفي مقدّمتهم عليّ رضي الله عنه، كانوا متّفقين على أنّ دم عثمان حرام وأنّ قتله جريمة عظيمة، ولكنّهم اختلفوا في كيفية تطبيق القصاص فقط.

وقد قال عليّ رضي الله عنه كما في الأثر الصحيح:

«إنّ القوم من أهل الشام والمؤمنين كلّهم متّفقون في أصل الدين، مختلفون في أمر عثمان، ونحن منه براء».

وهذا الموقف يبيّن عدالة الصحابة، وبراءة عليّ من كل تهمة ألصقها به الشيعة زورًا وبهتانًا.

المصادر والمراجع:

1)       تاريخ الأمم والملوك – محمد بن جرير الطبري (3/523).

2)       البداية والنهاية – ابن كثير (7/270).

3)       مصنف ابن أبي شيبة (8/716).

4)       نهج البلاغة – الشريف الرضي (ج3 ص114).

5)       السلسلة الصحيحة – الألباني (باب فضائل الصحابة).

6)       منهاج السنة – ابن تيمية (ج6).