روى الحاكم من طريق عبد الله بن مسلم الفهري حدثنا إسماعيل بن مسلمة أنبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله:- صلى الله عليه وسلم - ((لما اقترف آدم الخطيئة قال:يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي، فقال:يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه قال يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا:لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك))(2).
والرد عليه من ثلاثة أوجه:
1- هذا خبر موضوع قطعا وبيان ذلك:
أ- عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال البخاري: ضعفه علي جدا وقال النسائي: (ضعيف) (وقال الحاكم روى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه (وقال ابن حبان): كان يقلب الأخبار وهو لا يعلم ذلك حتى كثر ذلك من روايته من رفع المراسيل وإسناد الموقوف، فاستحق الترك، قال الإمام الشافعي: (قيل لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أحدثك أبوك عن جدك أن سفينة نوح طافت بالبيت وصلت خلفه ركعتين، فقال نعم).
وفي الضعفاء للعقيلي أن رجلا ذكر لمالك رحمه الله تعالى حديثا فقال: من حدثك؟ فذكر إسنادا له منقطعا فقال: (اذهب إلى عبد الرحمن بن زيد يحدثك عن أبيه عن نوح) !! وقال ابن الجوزي: (أجمعوا على ضعفه)(1) اهـ
ب - عبد الله بن مسلم الفهري قال الذهبي: (لا أدري من ذا) قال الحافظ: (قلت: لا أستبعد أن يكون هو الذي قبله فإنه من طبقته) والذي قبله هو عبد الله بن مسلم بن رشيد ذكره بن حبان وقال: (متهم بوضع الحديث وقال حدثنا عنه جماعة، يضع على ليث ومالك وابن لهيعة لا يحل كتب حديثه وهو الذي روى عن ابن هدبة نسخة كأنها معمولة)(2) اهـ
وهكذا اتفقت كلمة الحفاظ كابن تيمية والذهبي والعسقلاني وابن عبد الهادي والسهسواني والألباني وغيرهم على بطلان هذا الحديث.
ج - قال ابن عبد الهادي رادا على من صحح الحديث: (وإني لأتعجب منه كيف قلد الحاكم في تصحيحه مع أنه حديث غير صحيح ولا ثابت بل هو حديث ضعيف الإسناد جدا وقد حكم عليه بعض الأئمة بالوضع وليس إسناده من الحاكم إلى عبد الرحمن بصحيح بل مفتعل على عبد الرحمن)(3) اهـ
د - الاضطراب: فقد اضطرب عبد الرحمن أو من دونه فتارة يرفعه كما سبق وتارة يجعله موقوفا على عمر كما عند الآجري.
2- أن هذا الخبر مخالف للقرآن قال تعالى: {فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة 37] قال ابن عباس: (قال أي رب ألم تخلقني بيدك قال: بلى، قال ألم تنفخ في من روحك قال بلى، قال: ألم تسبق رحمتك غضبك، قال: بلى، قال: أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: بلى، قال: فهو قوله {فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ}) اهـ
وقول ابن عباس هذا له حكم الرفع من وجهين:
أ- أنه تفسير صحابي.
ب- أن هذا الأمر من الغيب الذي لا يمكن أن يقال بمجرد الرأي.
والظاهر إن الكلمات هي قوله تعالى {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف 23] وبهذا جزم رشيد رضا في تفسيره (1 /279).
3- أن هذ من الإسرائليات رفعه بعض الضعفاء.