من القضايا التي أثارت جدلًا واسعًا في التاريخ الإسلامي مسألة خروج الإمام الحسين بن عليّ رضي الله عنه من مكة متجهًا إلى الكوفة، بعد أن جاءته رسائل أهلها تدعوه إلى القدوم ومبايعته على الخلافة. وقد اعتبر كثير من العلماء أن خروج الحسين رضي الله عنه لم يكن بأمرٍ إلهيٍّ، بل كان نتيجة اغتراره بكتاب مسلم بن عقيل الذي أرسله إليه مبشّرًا ببيعة أهل الكوفة له، دون أن يدري بما حلّ بمسلم من خذلان وغدر.
وتتناول هذه المقالة رواية الحدث كما وردت في كتب التاريخ، مع الإشارة إلى موقف الفرقة الضالّة – الرافضة الاثني عشرية، الذين جعلوا من هذا الخروج قضية دينية عقائدية، فغالوا فيها حتى خرجوا عن سبيل أهل الإسلام والسنة، وألبسوا الواقعة ثوب العصمة والتكليف الإلهي، وهو ما لا دليل عليه من كتاب ولا سنة
من كتاب مثير الأحزان - الشيخ نجم الدين جعفر بن محمد بن نما الحلّي صــ35
ولمّا بَلَغَ مُسلِمُ بنُ عَقِيلٍ خَبَرَهُ، خَرَجَ بجماعةٍ مِمَّن بايَعَهُ إلى حربِ عُبَيْدِ الله، بعد أن رأى أكثرَ مَن بايَعَهُ من الأشرافِ قد نَقَضوا البَيْعَةَ، وصاروا مع عُبَيْدِ الله. فتحصَّنَ بدارِ الإمارةِ، واقتتلوا قتالًا شديدًا، إلى أن جاءَ الليلُ فتفرَّقوا عنه، وبقي معه أناسٌ قليلٌ.
فدخلَ المسجدَ يُصلِّي، ثم خرجَ متوجِّهًا نحوَ بابِ كِندة، فإذا هو وحدَه، لا يَدري أينَ يذهب، حتى وصلَ إلى دُورِ بَني جَبَلة، فتوقّفَ على بابِ امرأةٍ اسمُها طَوعَة..............
فقالَ له محمّدُ بنُ الأشعث: إنّك لا تَكذِبُ ولا تَغُرُّ. وكان قد أُثقِلَ بالجِراح، وكَلَّ عن القتال. فأعادَ محمّدُ بنُ الأشعث القولَ، فقال: «أفأمِنُ؟» قال: «نَعَم».
فانتزعوا سيفَه، وأُتِيَ له بِبَغْلةٍ فركِبَها، فكأنَّه عند ذلك يَئِسَ من نَفْسِه، فدَمَعَت عيناه.
فقالَ له عُبَيْدُ الله بنُ العبّاس: إنَّ مَن يَطلُبُ مثلَ ما تطلُبُ لا يَجزَعُ.
فقالَ: «واللهِ ما لِنفسي أجزَعُ، وإن كنتُ لا أُحِبُّ لها ضُرًّا طَرفةَ عين، ولكنَّ جَزَعي للحُسَينِ وأهلِ بيتِه، المُغتَرّينَ بِكتابِي».
وقال: «هذا أوانُ الغَدرِ». فأقبِلوا به أسيرًا، حتى أُدخِلَ على عُبَيْدِ الله، فلم يُسلِّمْ عليه.
