روى أبو نعيم في كتابه "الحلية" عن حرملة بن يحيى أنه قال: سمعت الشافعي يقول:
"البدعة بدعتان: بدعة محمودة، وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالفها فهو مذموم"، واستشهد بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صلاة التراويح جماعة: "نعمت البدعة هذه".
وقد نسب شيخ الإسلام ابن تيمية هذا القول للبيهقي في كتابه المدخل، وقال إن إسناده صحيح. وكذلك روى البيهقي في مناقب الشافعي عن الإمام الشافعي قوله:
"المحدثات من الأمور ضربان:
أحدهما ما يخالف كتاباً أو سنة أو أثراً أو إجماعاً، فهذه بدعة ضلالة،
والثانية ما أُحدث من الخير، ولا يخالف شيئاً من ذلك، فهذه ليست مذمومة، بدليل قول عمر: (نعمت البدعة هذه)".
هذا التفصيل من الشافعي هو تقسيم للبدعة من جهة اللغة، لا من جهة الشرع، إذ إن البدعة في اللغة تطلق على كل أمر حادث لم يكن له سابق. فكل ما استحدث، يُسمى بدعة لغوية، ومنها ما يكون موافقًا للشرع فَيُمدح، ومنها ما يخالفه فيُذم.
ومثال ذلك: جمع الناس على صلاة التراويح، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم فعلها في بعض الليالي، لكنه ترك المواظبة عليها خشية أن تُفرض. فلما أُمِن ذلك في عهد عمر، جمع الناس عليها جماعة، فكان ذلك إحياءً لسنة تركت خشية فرضيتها.
قال الإمام أبو شامة رحمه الله إن الحوادث تنقسم إلى "بدع مستحسنة" و"بدع مستقبحة"، واستدل بكلام الشافعي وقول عمر رضي الله عنه. وأوضح أن ترك النبي صلى الله عليه وسلم لصلاة التراويح جماعة كان لوجود مانع، فلما زال المانع بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، أُحييت السنة.
وبعض أهل العلم يرى أن تسمية عمر لصلاة التراويح "بدعة" لا تعني أنها بدعة شرعية، بل لغوية، إذ إن الأصل في الأمر سنة نبوية، وعمل عمر وأصحابه سنة راشدة أمرنا بالاقتداء بها.
وهذا التفسير يظهر كذلك عند أبي موسى المديني، الذي قال إن قيام رمضان جماعة سنة في الحقيقة، لا بدعة، واستشهد بحديث: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين...".
وبالتالي، فإن قول الشافعي "البدعة المحمودة ما وافق السنة" معناه أن ما كان له أصل شرعي – ولو لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم – يُعد ممدوحاً، وتسميته بدعة إنما هو من باب الاصطلاح اللغوي.
وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن البدعة الشرعية كلها مذمومة، بينما البدعة اللغوية قد تكون محمودة أو مذمومة. قال ابن رجب: ما استحسنه بعض السلف من البدع، إنما هو من البدع اللغوية. ومثله قال الحافظ ابن حجر، موضحاً أن المحدثات في الشرع لا تُقبل إلا إن كان لها أصل شرعي.
كذلك قال ابن حجر الهيتمي إن من قسّم البدعة إلى حسنة وسيئة، فإنما يتحدث عن البدعة اللغوية. أما الشرعية، فهي مذمومة بإطلاق.
وقد أكد الإمام الشافعي في مواضع أخرى ذمه للاستحسان الذي لا يستند إلى دليل شرعي، ورفض القول بالرأي المجرد، أو ما تراه الأهواء، مؤكداً أن الاستدلال يجب أن يكون بالكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح.
وقال العلماء: إن الفعل الذي له أصل شرعي – سواء بدليل خاص أو عام – لا يعد بدعة شرعية، وإن أُطلق عليه اصطلاحاً "بدعة" بلغة الناس.
والخلاصة:
أن تقسيم الشافعي للبدعة إلى محمودة ومذمومة إنما هو باعتبار المعنى اللغوي. أما في الشرع، فلا يُعد الفعل بدعة ما دام له أصل، والمحدثات التي لا أصل لها هي البدع الشرعية المذمومة.