المقدمة:

من المسائل التي يستدل بها بعض المنتسبين إلى الطرق الصوفية أو أهل البدع عموماً، ما نُقل عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه لما خدرت رجله، قيل له: "اذكر أحب الناس إليك"، فقال: "محمد"، أو قال: "يا محمد"، فزال عنه الخدر. ويزعم هؤلاء أن في هذا دليلاً على جواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.

وهذا استدلال باطل، مركب من عدة أخطاء، منها: ضعف الأثر سندًا، وسوء فهمه معنىً، ومخالفته لأصول الشريعة المحكمة.

وسوف نعرض في هذا المقال بإذن الله دراسة علمية منهجية لهذا الأثر من ناحيتي الإسناد والمتن، ثم نرد على الشبهة التي يتمسك بها بعضهم في جواز الاستغاثة بغير الله تعالى.

أولاً: تخريج الأثر وبيان حال أسانيده

مدار هذا الأثر على أبي إسحاق السبيعي، وهو وإن كان من الثقات في الجملة، إلا أنه مدلس، وقد تغير حفظه في أواخر عمره، كما أن جميع روايات هذا الأثر دارت حول رواة مجهولين أو ضعفاء.

ويمكن تلخيص أبرز طرق هذا الأثر فيما يلي:

1-  رواية سفيان الثوري وزهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن سعد:

اللفظ: " خدرت رجل ابن عمر، فقال له رجل: اذكر أحب الناس إليك، فقال: محمد".

رواه البخاري في الأدب المفرد (964)، والدارقطني في العلل (13/ 242) (وفيه: "يا محمد").

العلة: عبد الرحمن بن سعد مجهول، لا يُدرى حاله، وقد صرح يحيى بن معين بعدم معرفته، مما يجعل الرواية ضعيفة.

2-  رواية شعبة عن أبي إسحاق عمن سمع ابن عمر:

وردت في غريب الحديث لإبراهيم الحربي (2/ 673).

العلة: السند منقطع أو مبهم، فلا يُدرى من الراوي عن ابن عمر، وبالتالي الرواية ضعيفة.

3-  رواية إسرائيل عن أبي إسحاق عن الهيثم بن حنش:

رواها ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 169).

العلة: الهيثم بن حنش مجهول الحال، ومحمد بن مصعب القرقساني في الإسناد وهو ضعيف.

4-  رواية أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن أبي شعبة:

رواها أيضًا ابن السني (رقم 168).

العلة: أبو شعبة مجهول، والإسناد لا يثبت.

5-  رواية عن ابن عباس:

في عمل اليوم والليلة لابن السني، من طريق غياث بن إبراهيم.

العلة: غياث متروك الحديث، كما نص على ذلك أحمد والبخاري.

خلاصة الأسانيد:

كل طرق الحديث لا تخلو من علل قادحة:

1-  مجاهيل في الأسانيد.

2-  انقطاع أو إبهام.

3-  تدليس أبي إسحاق السبيعي وعدم تصريحه بالسماع.

4-  اضطراب في الروايات واختلاف في اللفظ والسياق.

وقد ضعف هذا الأثر عدد من العلماء، منهم:

الشيخ الألباني في ضعيف الأدب المفرد.

الشيخ بكر أبو زيد في تصحيح الدعاء.

الشيخ صالح آل الشيخ.

الدكتور سعد الحميد.

ثانيًا: دلالة الأثر (على فرض صحته)

حتى لو صح هذا الأثر، فلا يمكن الاستدلال به على جواز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لعدة أسباب:

1-  فرق بين الذكر والاستغاثة

في الأثر: "اذكر أحب الناس إليك"، وليس: "استغث به" أو "اطلب منه الشفاء". فالذكر مجرد استحضار، لا طلب وتصرف. والاستغاثة معناها طلب الغوث والشفاء، وهذا لا يكون إلا من الله عز وجل.

وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية على ذلك فقال:

"قوله: (يا محمد، يا نبي الله) هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادى في القلب، فيخاطب المشهود بالقلب". (اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 319)

2-  النداء لا يعني الطلب

قول ابن عمر "يا محمد" (إن ثبت) لا يلزم منه أنه طلب منه شيئًا، كما أن الإنسان قد ينادي حبيبه أو يقول "وا محمداه" تعبيرًا عن الشوق، كما تفعل العرب في الشعر.

وقد قدّر ابن حجر الهيتمي العبارة بأنها محذوف منها فعل الدعاء، كأنها "يا محمد، صلى الله عليك"، لا على وجه الطلب.

3-  الأثر منقول عن فعل صحابي

والفعل لا يُحتج به في العقائد، إلا إذا ثبت أنه مرفوع، أي قولًا أو تقريرًا من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن نبني عليه أصلًا مثل الاستغاثة بالمخلوق.

 

ثالثًا: الرد على الشبهة في ضوء العقيدة السليمة

1-  دعاء غير الله شرك أكبر

قال الله تعالى:

﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 18]

﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا﴾ [الجن: 20]

والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته في ما لا يقدر عليه إلا الله هو دعاء له، وهو من الشرك الأكبر.

2-  الشفاء بيد الله وحده

قال تعالى:

﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ [الشعراء: 80]

فلا يجوز أن يُطلب الشفاء إلا من الله، لا من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من غيره.

3-  السنة العملية والتقريرية للنبي صلى الله عليه وسلم تخالف هذا

لم يُنقل عن أحد من الصحابة أنه استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، ولا قال: "يا محمد، اشفع لي"، أو "اشفني"، بل كانوا يدعون الله وحده.

رابعًا: ما المقصود بـ "اذكر أحب الناس إليك"؟

قال الألوسي في بلوغ الأرب (2/ 320-321):

"كانت العرب ترى أن ذكر الحبيب يحرك الدم، فينشط الجسم".

أي أن ذكر الحبيب (أو اسمه) كان يُستخدم كـ"علاج نفسي" أو تحفيز عصبي في التراث العربي، ولا علاقة له بالدين أو بالكرامات.

خامسًا: خطر الاستدلال الباطل على العقيدة

من الخطأ أن يُبنى أصل عقدي أو عملي على رواية ضعيفة أو موهمة، ويُترك النص الصريح الصحيح. وقد بيّن العلماء أن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لا يعني أن يُصرف له ما هو من خصائص الربوبية، كالاستغاثة وطلب الغيب.

يقول الشيخ أبا بطين رحمه الله:

"فإن صح، فلعل الله سبحانه وتعالى جعل في ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عند هذا الأمر خاصية، ولم يقل: يا محمد أزل خدري، كما يفعل من يستغيث به".

الخلاصة

أثر ابن عمر في خدر الرجل ضعيف بجميع طرقه.

لو صح، فهو لا يدل على الاستغاثة، بل على الذكر المجرد.

لا يجوز شرعًا الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم أو غيره في الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله.

فهم الأثر على وجه الشرك مخالف لمقاصد الشريعة وعقيدة التوحيد.