تمهيد:

باب أسماء الله وصفاته من أبواب الاعتقاد العظيمة، التي انحرفت فيها طوائف كثيرة بين إفراط وتشبيه، أو تفريط وتعطيل، بينما سلك أهل السنة والجماعة طريقًا وسطًا، أثبتوا فيه لله ما أثبته لنفسه، ونزّهوه عمّا لا يليق به، دون تعطيل أو تمثيل.

وفيما يلي عرض لجملة من النصوص السلفية المأثورة عن كبار أئمة الدين والعقيدة، مما يجلي معالم هذا الطريق النقيّ، المبني على النص والتسليم، والعلم والبصيرة.

أولًا: تقرير شيخ الإسلام ابن تيمية لمنهج السلف

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (ج5، ص195):

"مذهب سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصف به نفسه، وما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. فلا يجوز نفي صفات الله التي وصف بها نفسه، ولا يجوز تمثيلها بصفات المخلوقين؛ بل هو سبحانه {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}، ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله."

وهذا نص جليّ في بيان الأصل الجامع: الإثبات بلا تمثيل، والتنزيه بلا تعطيل.

ثانيًا: موقف الإمام البيهقي من أحاديث الصفات

قال الإمام البيهقي في الأسماء والصفات (ج2، ص198):

"أبو عبيد يقول: هذه الأحاديث (ضحك ربنا، وقربه، ووضع القدم في جهنم، والكرسي موضع القدمين...) عندنا حق، حملها بعضهم عن بعض، لكن إذا سُئلنا عن تفسيرها لا نفسرها، وما أدركنا أحدًا يفسرها."

فهذا تأكيد على أن السلف يُثبتون النصوص ويؤمنون بها كما جاءت، دون خوض في تفسيرها الذي قد يجر إلى التكييف أو التمثيل.

ثالثًا: نصوص الإمام مالك كما رواها عبد الله بن أحمد

قال عبد الله بن أحمد في السنة (ج1، ص173174):

سمع سُريج بن النعمان عبدَ الله بن نافع يقول:

قال مالك: "من قال القرآن مخلوق يُؤدّب ويُحبس حتى يُعلَم توبته."

وقال: "الإيمان قول وعمل يزيد وينقص."

وقال: "الله في السماء، وعلمه في كل مكان، لا يخلو منه مكان."

وقال: "القرآن كلام الله عز وجل."

وهذه الأقوال تمثل ركائز عقيدة السلف في الصفات، وموقفهم من القول بخلق القرآن.

رابعًا: اعتقاد الحافظ أبو نعيم الأصبهاني

نقل الذهبي في العلو (ج1، ص243) عن أبي نعيم قوله:

"طريقتنا طريقة السلف: أن الله لم يزل كاملًا بصفاته، لم يزل عليمًا، بصيرًا، سميعًا، متكلمًا بكلام، وأن القرآن كلام الله، غير مخلوق، وأن من قصد خلق القرآن فهو جهمي كافر."

وأضاف:

"وأن الله مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم."

خامسًا: وصية الإمام أبي منصور الأصبهاني

نقل الذهبي أيضًا في العلو (ص243244) عن أبي منصور الأصبهاني قوله:

"إن الله استوى على عرشه بلا كيف، ولا تشبيه، ولا تأويل، والاستواء معلوم، والكيف مجهول... وينزل إلى السماء الدنيا بلا كيف، كيف شاء، ومن أنكر النزول أو أوّله فهو مبتدع ضال."

فهذا تصريح واضح بإثبات ما ورد من صفات، بلا تأويل ولا إنكار، على قاعدة: الإمرار مع الإيمان.

سادسًا: نفي المحاسبي للصفات المذمومة عن الله

قال الإمام الحارث المحاسبي في فهم القرآن (ص336):

"لا يجوز أن يقال: الله لا يعلم، أو لا يسمع، أو لا يرى، أو أنه تحت الأرض، أو لا يتكلم، أو لا قدرة له... تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا."

فهو ينفي كل صفات النقص، التي تؤول إلى تعطيل الربوبية والألوهية.

سابعًا: بيان الشيخ عبد القادر الجيلاني

قال الذهبي في العلو (ج1، ص265) ناقلًا عن الشيخ عبد القادر الجيلاني في الغنية:

"إنه على العرش كما قال {الرحمن على العرش استوى}، ويُطلق ذلك بلا تأويل، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل هو في السماء، مستوٍ على العرش."

وأكد أن هذا من العقائد الثابتة في كل كتاب أُنزل، وعلى كل نبي أُرسل، بلا كيف.

خلاصة المنهج السلفي في الصفات:

الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه، وما وصفه به رسوله ﷺ، من غير تحريف أو تعطيل.

عدم التكييف أو التمثيل، فالله ليس كمثله شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.

عدم تفسير أو تأويل النصوص المتعلقة بالصفات، بل تُؤمن كما جاءت.

الرد على الجهمية والمعتزلة وأشباههم ممن أنكر أو أول الصفات.

التصريح بأن من قال: "القرآن مخلوق" فهو جهمي، كافر، أو مبتدع، عند جمهور السلف.

التصديق بأحاديث النزول، والاستواء، والرؤية، والضحك... إثباتًا بلا كيف.