مسخ الأمم في القرآن والسنة: حقيقة تحوّل بني إسرائيل إلى قرود وخنازير والفأران
تنتشر بين بعض أتباع الشيعة شبهات حول أحاديث المسخ في الإسلام، مدّعين أن هذه الروايات باطلة أو غير صحيحة. ومن أبرز ما يُستدل عليه: مسخ بعض بني إسرائيل إلى قرود وخنازير وفئران.
في هذا المقال، نسلط الضوء على الأدلة الشرعية من القرآن والسنة الصحيحة على المسخ، ونوضح الفرق بين الروايات الصحيحة الثابتة وادعاءات بعض الفرق الضالة التي تحاول تزوير أو تحريف التاريخ الإسلامي والقصص القرآني.
كما نكشف عن منهجية علماء السنة في تثبيت صحة الأحاديث المتعلقة بالمسخ، مقابل القصص الواردة في كتب الشيعة التي تفتقر إلى التوثيق.
نص الرواية:
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا وهيب عن خالد عن محمد عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى e قال « فقدت أمة من بنى إسرائيل لا يدرى ما فعلت، وإنى لا أراها إلا الفار إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشرب، وإذا وضع لها ألبان الشاء شربت» (البخاري3305).
قلت: وكأن الرافضة على جهل تام بما في مصادرهم:
عن علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن المسوخ فقال: هم ثلاثة عشر: الفيل، والدب، والخنزير، والقرد، والجريث، والضب، والوطواط، والدعموص، والعقرب، والعنكبوت، والارنب، وسهيل والزهرة.
فقيل: يا رسول الله وما كان سبب مسخهم؟ فقال: اما الفيل فكان رجلا لوطيا لا يدع رطبا ولا يابسا. وأما الدب: فكان رجلا مؤنثا يدعو الرجال إلى نفسه. وأما الخنازير فكانوا قوما نصارى سألوا ربهم إنزال المائدة عليهم، فلما انزلت عليهم كانوا أشد ما كانوا كفرا وأشد تكذيبا. وأما القردة: فقوم اعتدوا في السبت. وأما الجريث: فكان رجلا ديوثا يدعو الرجال إلى حليلته» (الخصال ص495 بحار الأنوار62/223).
ما من شك أن الله قد مسخ أمما من اليهود جزاء وفاقا على مسخهم الشريعة وعلى تحايلهم حيث خالفوا أمره حين نهاهم عن الصيد فى يوم السبت فتحايلوا واستباحوا الصيد ، فكان عقابهم أن مسخهم اللّه قردة وخنازير.
واختلفوا، هل تناسل هؤلاء بعد المسخ أو لم يتناسلوا؟
قال القرطبى:
«اختلف العلماء فى الممسوخ هل ينسل؟ على قولين. قال الزجاج: قال قوم يجوز أن تكون هذه القردة منهم، واختاره القاضى أبو بكر بن العربى، وقال الجمهور: الممسوخ لا يُنسل وأن القردة والخنازير وغيرهما كانت قبل ذلك ، والذين مسخهم اللّه قد هلكوا ولم يبق لهم نسل، لأنه قد أصابهم السخط والعذاب، فلم يكن لهم قرار فى الدنيا بعد ثلاثة أيام. قال ابن عباس: لم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام ولم يأكل ولم يشرب ولم ينسل. قال ابن عطية: وروى عن النبى e وثبت أن الممسوخ لا ينسل ولا يأكل ولا يشرب ولا يعيش أكثر من ثلاثة أيام».
قال القرطبى: «هذا هو الصحيح من القولين».
واستدل القائلون ببقاء الممسوخين وتناسلهم بما رواه مسلم عن أبى هريرة أن النبى e قال: «"فُقدت أمة من بنى إسرائيل لا يدرى ما فعلت، ولا أراها إلا الفأر، ألا ترونها إذا وضع لها ألبان الإبل لم تشربه، وإذا وضع لها ألبان الشاة شربته». وبما رواه مسلم أيضا عن أبى سعيد وجابر أن النبى e جىء إليه بضب فأبى أن يأكل منه وقال: «لا أدرى لعله من القرون التى مُسخت».
ورد الجمهور ذلك بأن كلام الرسول كان ظنا وحدسا واحتياطا قبل أن يوحى إليه أن الله لم يجعل للمسخ نسلا، فلما أوحي إليه بذلك زال عنه ذلك التخوف وعلم أن الضب والفأر ليسا مما مسخ.
وأما دليل الجمهور فما رواه مسلم «أن النبى e سئل عن القردة والخنازير: هل هى مما مسخ؟ فقال: إن الله لم يهلك قوما أو يعذب قوما فيجعل لهم نسلا، وإن القردة والخنازير كانوا قبل ذلك». وهو نص صريح صحيح.
قلت: ومن الأدلة على ذلك وصف عائشة يهوديا قال للنبي e «السام عليكم» فردت عليه قائلة: «وعليك السام وغضب الله و لعنته إخوان القردة والخنازير» رواه ابن خزيمة في (صحيحه1/288 رقم574) وصححه الألباني (سلسلة الصحيحة رقم691).
وكذلك قول النبي لليهود لما دنا من حصونهم « يا إخوان القردة». قال الألباني «ضعيف» (تخريج السيرة ص313). قال الشيخ عبد الله درويش متعقبا: «أخرجه ابن إسحاق عن الزهري مرسلاً، وعنه ابن هشام (2/194) ورواه الحاكم (2/34) من حديث ابن عمر العمري وهو ضعيف من قبل حفظه ولكن له شواهد مرسلة ، منها ما ذكره عن الزهري، ومنها ما رواه ابن جرير عن قتادة، ومنها ما رواه ابن سعد في الطبقات (3/77) من حديث حميد بن هلال فإذا ضمت هذه الأحاديث الثلاثة المرسلة بأسانيد صحيحة إلى حديث ابن عمر الموصول تقوى بها» (تنبيه القارئ على تقوية ما ضعفه الألباني ص144).
فالراجح والله أعلم:
أن أحاديث نفي النسل للمسخ أكثر صراحة وبدون تساؤل بخلاف إثبات النسل التي وردت بصيغة التساؤل. وهذا يذكرني بتكذيب النبي e لليهودية لما قالت لعائشة «أجارك الله من عذاب القبر» فنفى ذلك وقال بأن يهود يكذبون ثم أكد بعد ذلك عذاب القبر حين نزل إليه الوحي بذلك.
واحتج قوم بقول مجاهد أن المسخ كان معنوياً لا حسياً.
وروي عن مجاهد قول غريب يخالف ظاهر القرآن وما أجمع عليه المفسرون.
قال الطبري:
"حدثني المثنى قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: {ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين}.
قال: مسخت قلوبهم، ولم يمسخوا قردة، وإنما هو مثل ضربه الله لهم، كمثل الحمار يحمل أسفارا (تفسير ابن ابي حاتم617 تفسير الطبري2/172).
قلت: أخشى أن يكون من التفرد من المثنى وهو المثنى بن إبراهيم الآملي: مجهول.
قال أبو جعفر:
وهذا القول الذي قاله مجاهد، قول لظاهر ما دل عليه كتاب الله مخالف. وذلك أن الله أخبر في كتابه أنه جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت....هذا مع خلاف قول مجاهد قول جميع الحجة التي لا يجوز عليها الخطأ والكذب فيما نقلته مجمعة عليه. وكفى دليلا على فساد قول، إجماعها على تخطئته (تفسير الطبري2/173).
وقال القرطبي (1 / 443):
(روي عن مجاهد في تفسير هذه الآية أنه إنما مسخت قلوبهم فقط، وردت أفهامهم كأفهام القردة. ولم يقله غيره من المفسرين فيما أعلم).
وقال ابن كثير في تفسيره (1/289):
(وهذا سند جيد عن مجاهد، وقول غريب خلاف الظاهر من السياق في هذا المقام وفي غيره، قال الله تعالى: { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) (المائدة)
وأما المسخ من كتب الشيعة فكثير. من ذلك:
عن الصادق أنه قال لأعرابي «وإن أحببت أن أدعو الله فيمسخك كلبا تهتدي إلى منزلك فتدخل عليهم وتبصبص لأهلك فعلت، فقال: الأعرابي بجهله: نعم، فدعا الله فصار كلبا في الوقت ومضى على وجهه، فقال لي الصادق(ع) اتبعه، فأتبعته حتى صار إلى حيه فدخل إلى منزله وجعل يبصبص لأهله وولده فأخذوا له العصا حتى أخرجوه فانصرفت إلى الصادق فأخبرته بما كان فبينا نحن في هذا الحديث إذ أقبل حتى وقف بين يدي الصادق وجعلت دموعه تسيل وأقبل يمترغ في التراب ويعوي، فرحمه فدعا له فعاد أعرابيا فقال له الصادق(ع): هل آمنت يا أعرابي؟ قال: نعم ألفا وألفا»
(المحجة البيضاء (بحار47/110 الخرائج والجرائح1/297 نور الأبصار في أحوال الأئمة التسعة الأبرار كشف الغمة3/193).
(بصائر الدرجات ص290 بحار الأنوار47/79 و68/118 الخرائج والجرائح قطب الدين الراوندي 2/827 درر الأخبار 466 خسرو شاهي ميزان الحكمة 1/536 لمحمدي الريشهري).