نص الشبهة:

يشير أصحاب هذه الشبهة إلى مفارقة لافتة، وهي أن القرآن الكريم قد ذكر أسماء عشرات الأنبياء في مئات المواضع، مثل نوح، إبراهيم، موسى، عيسى، وغيرهم، وذكر تفاصيل دقيقة عن حياتهم، رسالاتهم، أقوامهم، بل حتى حوارييهم وأعداءهم.

ومع ذلك، فإننا لا نجد في هذا القرآن أيّ ذكر صريح لأسماء الأئمة الاثني عشر الذين يعتبرهم الشيعة هم أوصياء النبي وأفضل الخلق بعده، بل ويروون أنهم أفضل من الأنبياء أنفسهم.

بل لم يرد اسم علي بن أبي طالب، وهو أول الأئمة، في أي آية بشكل مباشر، ولا ذكر الحسن والحسين، ولا غيرهم من الأئمة.

ويزداد الإشكال حدة عند التأمل في الروايات التي تثبت أن القرآن هو كتاب تبيان لكل شيء، كما في قول الإمام الصادق عليه السلام:

اخترنا لكم أهم مقالات السقيفة:

تحريف الشيعة لمعاني القرآن بتأويلات باطنية تخدم عقيدة الولاية

القول بتحريف القرآن عند الشيعة الإمامية

طعن الشيعة في السنة النبوية وموقفهم من الصحابة

طعن الشيعة في القرآن الكريم

"والله إني لأعلم ما في السموات وما في الأرض، وما في الجنة وما في النار، وما كان وما يكون إلى أن تقوم الساعة"،

ثم قال: "أعلمه من كتاب الله، أنظر إليه هكذا"،

وبسط كفه وقال: "إن الله يقول: ﴿فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ﴾" (انظر: تفسير العياشي 1/9، البرهان 1/8، بحار الأنوار 92/89).

بل ورد عنه أيضًا:

"ما ترك الله شيئًا تحتاج إليه العباد إلا وقد أنزله في كتابه، حتى لا يستطيع عبد أن يقول: لو كان هذا أنزل في القرآن إلا وقد أنزله الله فيه" (تفسير العياشي، بحار الأنوار، الكافي).

فكيف يكون القرآن متضمناً لكل شيء، ويغفل عن ذكر أهم وصية في الدين حسب العقيدة الشيعية؟ كيف يُهمل أعظم مقام بعد النبوة أي الإمامة وهو سبب خلق السماوات والأرض كما يروى في أحاديثهم، دون أن يكون له نصيب في كتاب الله؟

ويزداد الأمر وضوحًا في رواية أبي بصير، حيث سأل الإمام الصادق عليه السلام:

"إن الناس يقولون: لِمَ لم يُسمَّ علي وأهل بيته في كتاب الله؟"

فأجابه الإمام:

"قولوا لهم: إن الله أنزل الصلاة ولم يُسمِّ ثلاثًا ولا أربعًا، حتى كان رسول الله هو الذي فسر ذلك... وكذلك الزكاة، والحج، والإمامة، كلها فُسِّرت بالسنة لا بالقرآن"
(أصول الكافي 1/286، باب فرض طاعة الأئمة).

فهذا الجواب، بحسب الناقدين، يعترف صراحة بغياب ذكر الأئمة من القرآن، ويُرجع إثبات الإمامة إلى السنة النبوية فقط، ما قد يُناقض دعاوى التحريف أو التفسير الباطني التي شاعت لاحقًا.

 

الجواب المفصل كما يقدمه بعض علماء الشيعة

أمام هذا الإشكال، انقسم الخطاب الشيعي إلى ثلاثة اتجاهات رئيسية في تفسير غياب ذكر الأئمة بالاسم من القرآن:

الاتجاه الأول: القول بالتحريف

وهو ما تبناه بعض علماء الشيعة المتقدمين، الذين قالوا إن القرآن قد حُرّف، وإن أسماء الأئمة كانت موجودة فيه ثم أُزيلت عمدًا، لأسباب سياسية أو مذهبية.

 ومن أبرز من تبنوا هذا الاتجاه:

 النوري الطبرسي في كتابه فصل الخطاب.

 نعمة الله الجزائري.

 الكاشاني في بعض تفسيراته.

وقد استشهد هؤلاء بروايات مثل:

"نزلت: ﴿يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك في علي﴾..." (البرهان في تفسير القرآن 1/319، تفسير القمي 1/142)

غير أن هذا الاتجاه تعرّض لنقد شديد حتى من بعض علماء الشيعة المعاصرين، كالسيد الخوئي والشيخ محمد جواد مغنية، الذين رفضوا القول بتحريف القرآن.

 

الاتجاه الثاني: التأويل الباطني والتفسير الرمزي

يرى هذا الفريق أن أسماء الأئمة وردت فعلاً في القرآن، ولكن بطريقة رمزية أو تأويلية، تحت ألفاظ مثل: "الهدى"، "النور"، "الصراط المستقيم"، "الذين آمنوا"، "أولي الأمر"، "الراسخون في العلم".

ويستدلّون بآيات مثل:

 ﴿إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون﴾ [المائدة: 55]

﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾ [النساء: 59]

 ﴿يس * والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين﴾ [يس: 1-3]، حيث فُسِّرت "يس" بأنها رمز لعلي.

وقد جمع هذه التأويلات:

الطبرسي في تأويل الآيات.

البحراني في البرهان في تفسير القرآن.

القمي في تفسيره.

إلا أن هذه التأويلات لا تُعد نصوصًا صريحة، وهو ما تُبقي عليه الشبهة قائمة.

 

الاتجاه الثالث: الاكتفاء بالسنة وتقديمها كمُبيّنة

وهو ما عبّر عنه الإمام الصادق في رواية أبي بصير:

أن النص على الإمامة جاء في السنة النبوية، لا في القرآن، تمامًا كما لم يرد تفصيل عدد الركعات، أو مقدار الزكاة في القرآن.

وهذا الاتجاه يعتبر أن:

القرآن يضع الأصول المجملة.

والسنة تفصّل الأحكام والمصاديق.

وعليه، فالإمامة أُثبتت بتفسير النبي ﷺ ووصاياه، كما في حديث الغدير، وحديث الثقلين، وحديث المنزلة.

 

الخلاصة:

رغم تأكيد الشيعة على أصالة الإمامة وكونها أصلًا من أصول الدين، فإن القرآن الكريم لا يذكر أسماء الأئمة الاثني عشر صراحةً.

 

وقد اعترف كبار علمائهم بهذا الإشكال، وسعوا لتفسيره عبر أحد ثلاثة اتجاهات:

إما بالقول بالتحريف (وهو موقف مرفوض عند غالبية المعاصرين).

أو بالتأويل الرمزي.

أو بالاكتفاء بالسنة النبوية كمبيّنة ومفسّرة.

لكن يظل غياب النص القرآني الصريح على الإمامة من أبرز النقاط التي يعتمدها أهل السنة في نقد أصل هذه العقيدة، ويعدّونه نقضًا لدعوى كونها ركنًا أساسًا لا يُقبل الإيمان إلا به.

 

أهم المصادر المذكورة في المقال:

الكافي الكليني

تفسير العياشي

البرهان في تفسير القرآن البحراني

فصل الخطاب النوري الطبرسي

تأويل الآيات شرف الدين

بحار الأنوار المجلسي

تفسير القمي

نور الثقلين الحويزي

أصول الكافي الكليني

مجمع البيان الطبرسي

 

 المصدر: موقع السقيفة
https://alsaqifh.com