رابعاً: إثبات وجود عبد الله بن سبأ ودوره في نشأة التشيع من كتب الشيعة

على عكس ما يدعيه بعض الشيعة المعاصرين، فإن العديد من علماء الشيعة القدماء والمعاصرين قد أثبتوا وجود عبد الله بن سبأ ودوره المحوري في نشأة بعض الأفكار التي أصبحت فيما بعد جزءًا من المذهب الشيعي. هذه الإثباتات تأتي من مصادر شيعية موثوقة ومعتمدة لديهم، مما يعزز الرأي القائل بحقيقة وجود هذه الشخصية.

أهم المقالات في موقع السقيفة:

شخصيةعبد الله بن سبأ: حقيقة مثبتة في كتب الشيعة وتناقضات من ينكرها

عبدالله بن سبأ: ونشاة فرق الغلاة والمتطرفين

أقوال العلماء والمؤرخين في عبد الله بن سبأ

سعد بن عبد الله القمي:

أقر سعد بن عبد الله القمي، وهو من كبار علماء الشيعة وثقاتهم، بوجود ابن سبأ، وذكر أسماء بعض أصحابه الذين تآمروا معه، ولقب فرقته بالسبئية.

واعتبر أن هذه الفرقة هي أول فرقة في الإسلام قالت بالغلو، وأن ابن سبأ هو "أوَّلَ من أظهر الطَّعنَ على أبي بَكرٍ وعُمَرَ وعُثمانَ والصَّحابةَ، وتبرَّأ منهم، وادَّعى أنَّ عَليًّا رَضِيَ اللَّهُ عنه أمَره بذلك" [1].

 وذكر القمي أن عليًا بلغه ذلك فأمر بقتله، ثم ترك ذلك واكتفى بنفيه إلى المدائن.

كما نقل عن جماعة من العلماء أن "عبدَ اللَّهِ بنَ سَبَأٍ كان يهوديًّا فأسلَم، ووالى عَليًّا، وكان يقولُ وهو على يهوديَّتِه في يوشُعَ بنِ نونٍ وَصِيِّ موسى بهذه المقالةِ، فقال في إسلامِه بَعدَ وفاةِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في عَليٍّ بمِثلِ ذلك، وهو أوَّلُ من شَهِد بالقَولِ بفَرضِ إمامةِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ، وأظهَر البراءةَ من أعدائِه، وأكفَرَهم، فمِن هاهنا قال مَن خالف الشِّيعةَ: إنَّ أصلَ الرَّفضِ مأخوذٌ من اليهوديَّةِ" [2].

ثم ذكر القمي موقف ابن سبأ حينما بلغه نعي علي رضي الله عنه؛ حيث ادعى أنه لم يمت، وقال برجعته، وغلا فيه. ومعلومات القمي مهمة نظرًا لقدم فترتها الزمنية، ولأنه -كما روى شيخهم الملقب عندهم بالصدوق- قد لقي إمامهم المعصوم -في نظرهم- وهو: الحسن العسكري، وسمع منه.

الحسن بن موسى النوبختي:

قال النوبختي: "لمَّا قُتِل عَليٌّ عليه السَّلامُ افتَرَقت التي ثبَتَتْ على إمامتِه وأنَّها فرضٌ من اللَّهِ عزَّ وجَلَّ ورسولِه عليه السَّلامُ، فصاروا فِرَقًا ثلاثةً: فِرقةٌ منهم قالت: إنَّ عَليًّا لم يُقتَلْ ولم يمُتْ، ولا يُقتَلُ ولا يموتُ حتَّى يسوقَ العَرَبَ بعصاه، ويملأُ الأرضَ عَدلًا وقِسطًا كما مُلِئَت ظُلمًا وجَورًا، وهي أوَّلُ فِرقةٍ قالت في الإسلامِ بالوَقفِ بَعدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من هذه الأمَّةِ، وأوَّلُ من قال منها بالغُلُوِّ، وهذه الفِرْقةُ تُسَمَّى السَّبَئيَّةَ أصحابَ عبدِ اللَّهِ بنِ سَبَأٍ، وكان ممَّن أظهر الطَّعنَ على أبي بَكرٍ وعُمَرَ وعثمانَ والصَّحابةِ وتبرَّأ منهم، وقال: إنَّ عَليًّا عليه السَّلامُ أمَره بذلك فأخَذه عَليٌّ فسأله عن قولِه هذا فأقَرَّ به، فأمَر بقَتلِه، فصاح النَّاسُ إليه: يا أميرَ المُؤمِنين أتقتُلُ رجلًا يدعو إلى حُكمِ أهلِ البَيتِ وإلى ولايتِك والبراءةِ من أعدائِك؟ فصَيَّره إلى المدائِنِ، وحكى جماعةٌ من أهلِ العِلمِ من أصحابِ عَليٍّ عليه السَّلامُ أنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ سَبَأٍ كان يهوديًّا فأسلمَ ووالى عَليًّا عليه السَّلامُ، وكان يقولُ وهو على يهوديَّتِه في يوشَعَ بنِ نونٍ بَعدَ موسى عليه السَّلامُ بهذه المقالةِ، فقال في إسلامِه بَعدَ وفاةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في عَليٍّ عليه السَّلامُ بمِثلِ ذلك، وهو أوَّلُ مَن شَهَر القولَ بفَرضِ إمامةِ عَليٍّ عليه السَّلامُ، وأظهَر البراءةَ من أعدائِه وكاشَف مُخالِفيه؛ فمِن هناك قال من خالف الشِّيعةَ: إنَّ أصلَ الرَّفضِ مأخوذٌ من اليهوديَّةِ، ولمَّا بلغ عبدَ اللَّهِ بنَ سَبَأٍ نعيُ عَليٍّ بالمدائِنِ، قال للذي نعاه: كذَبْتَ! لو جِئْتنا بدماغِه في سبعينَ صُرَّةً وأقمْتَ على قَتلِه سبعينَ عَدلًا لعَلِمْنا أنَّه لم يمُتْ ولم يُقتَلْ، ولا يموتُ حتَّى يملِكَ الأرضَ" [3].

ونلاحظ أن النوبختي يتفق مع القمي في أمر ابن سبأ حتى في الألفاظ نفسها، والنوبختي ثقة معتمد عند الشيعة، بصير بالأخبار والرجال.

الكشي:

روى الكشي ست روايات في ذكر ابن سبأ [4]، وتشير تلك الروايات إلى أن ابن سبأ ادعى النبوة، وأنه زعم أن أمير المؤمنين هو الله تعالى الله وتقدس، وأن عليًا استتابه فلم يتب، فأحرقه بالنار. كما نقل الكشي لعن الأئمة لعبد الله بن سبأ، وأنه كان يكذب على علي، ومن ذلك قول علي بن الحسين: "لعَنَ اللَّهُ مَن كَذَب علينا، إنِّي ذكَرتُ عبدَ اللَّهِ بنَ سَبَأٍ فقامت كُلُّ شعرةٍ في جَسَدي، لقد ادَّعى أمرًا عظيمًا، ما له؟! لعنه اللَّهُ! كان عَليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عنه واللَّهِ عبدًا للهِ صالحًا، أخا رسولِ اللَّهِ، ما نال الكرامةَ من اللَّهِ إلَّا بطاعتِه!" [5].

ثم قال الكشي بعد ذكر تلك الروايات: "ذَكَر أهلُ العِلمِ أنَّ عبدَ اللَّهِ بنَ سَبَأٍ كان يهوديًّا فأسلم ووالى عليًّا، وكان يقولُ وهو على يهوديَّتِه في يوشَعَ بنِ نونٍ وَصِيِّ موسى بالغُلُوِّ، فقال في إسلامِه بَعدَ وفاةِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في عَليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه مِثلَ ذلك، وكان أوَّلَ مَن شَهَر القولَ بفَرضِ إمامةِ عَليٍّ عليه السَّلامُ، وأظهَر البراءةَ من أعدائِه، وكاشَف مُخالِفيه وأكفَرَهم؛ فمِن هنا قال مَن خالف الشِّيعةَ: إنَّ أصلَ الرَّفضِ مأخوذٌ من اليهوديَّةِ" [6].

هذه مقالة الكشي، وهي تتفق مع كلام القمي والنوبختي، وكلهم يوثقون قولهم هذا بنسبته إلى أهل العلم؛ مما يدل على أن هذا الأمر كان معروفًا عند علمائهم، لا يشكون فيه. وتلك الروايات الست جاءت في كتاب (رجال الكشي)، والشيعة يعتبرونه أحد الأصول الأربعة التي عليها المعول في تراجم رجال الشيعة، وقام الطوسي شيخ الطائفة عندهم بتهذيب الكتاب، فصار عندهم أكثر ثقة وتحقيقًا.

نصوص أخرى في كتب الشيعة الزيدية:

توجد نصوص أخرى في إثبات وجود عبد الله بن سبأ في كتب الشيعة الزيدية. قال المرتضى، وهو من أئمة الزيدية في اليمن، ومن أشهر مؤلفيهم وفقهائهم: "حَدَث أواخِرَ أيَّامِ عَليٍّ قَولُ ابنِ سَبَأٍ؛ فإنَّه أفرط في وَصفِه، وبعضِ كِبارِ الصَّحابةِ، فنفاه عَليٌّ من الكوفةِ إلى أن مات عَليٌّ عليه السَّلامُ، فرجع واستمال قومًا من أهلِها في سَبِّ الصَّحابةِ، فبقيَ في الرَّوافِضِ إلى الآنَ" [7].

وقال أيضًا: "أمَّا الرَّوافِضُ فهم السَّبَئيَّةُ، أصحابُ عبدِ اللَّهِ بنِ سَبَأٍ، زعَم أنَّ عَليًّا إلهٌ، فنفاه إلى المدائِنِ، وزَعَم أصحابُه أنَّ عَليًّا عليه السَّلامُ في السَّحابِ، وأنَّ الرَّعدَ صَوتُه، والبَرقَ سَوطُه!" [8].

بعض شيوخ الشيعة المعاصرين:

لقد ذهب بعض شيوخ الشيعة المعاصرين إلى أن شخصية ابن سبأ حقيقية.

 فقد جاء ذكر ابن سبأ في أهم وأوسع كتب الشيعة المعاصرة في أسماء الرجال، وهو كتاب (تنقيح المقال) لعبد الله الممقاني [9].

وقال محمد حسين الزين: "وعلى كُلِّ حالٍ، فإنَّ الرَّجُلَ -أي: ابنَ سَبَأٍ- كان في عالَمِ الوجودِ، وأظهَر الغُلُوَّ، وإن شَكَّ بعضُهم في وجودِه وجعَلَه شخصًا خياليًّا، أمَّا نحن -بحسَبِ الاستقراءِ الأخيرِ- فلا نَشُكُّ بوجودِه وغُلوِّهـ" [10].

فإثبات وجود عبد الله بن سبأ موجود في كثير من كتب الشيعة القديمة والحديثة، مما يؤكد أنه شخصية تاريخية حقيقية لعبت دورًا في الأحداث التاريخية ونشأة بعض الأفكار.

 

خاتمة

يظل الجدل حول شخصية عبد الله بن سبأ قائمًا، إلا أن التحليل الشامل للروايات التاريخية من مصادر السنة والشيعة على حد سواء، يشير إلى أن إنكار وجوده هو رأي ضعيف لا يستند إلى أدلة قوية. فالمصادر التاريخية الموثوقة، حتى من داخل المذهب الشيعي، تؤكد وجوده ودوره في إثارة الفتنة ونشر بعض الأفكار الغالية. إن التشكيك في وجود شخصية تاريخية بمثل هذا القدر من التواتر في المصادر المختلفة، يفتح الباب للتشكيك في العديد من الحقائق التاريخية الأخرى. لذا، يمكن القول بأن عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية، لعبت دورًا مؤثرًا في تاريخ الإسلام المبكر، بغض النظر عن مدى المبالغة في وصف هذا الدور من قبل بعض الروايات.

"المصادر":

[1] سعد بن عبد الله القمي، المقالات والفرق، ص. 20.

[2] سعد بن عبد الله القمي، المقالات والفرق، ص. 21.

[3] الحسن بن موسى النوبختي، فرق الشيعة، ص. 22.

[4] الكشي، رجال الكشي، ص. 100-105.

[5] الكشي، رجال الكشي، ص. 102.

[6] الكشي، رجال الكشي، ص. 105.

[7] المرتضى، البحر الزخار، الجزء الأول، ص. 300.

[8] المرتضى، البحر الزخار، الجزء الأول، ص. 301.

[9] عبد الله الممقاني، تنقيح المقال في علم الرجال، الجزء الثاني، ص. 200.

[10] محمد حسين الزين، الشيعة في التاريخ، ص. 150