عبادة الصيام وفضائلها

 بين التكاليف الشرعية وأثرها في تقوى النفوس

لم تكن التكاليف الشرعية التي أوجبها الله على عباده تهدف إلى التضييق أو إدخالهم في دائرة النكد والمشقة، بل جاءت بمنهج متوازن يختبر به الله عز وجل إيمان العباد، ويميز به بين المتقين والمكابرين، وبين الصادقين والفجار. ومن رحمته سبحانه أن جعل لهذه الأمة مواسم روحية تتجدد فيها العزائم، وتنهض فيها الهمم بعد فترات من الفتور والخمول.

ومن أبرز هذه التكاليف العظيمة عبادة الصيام، التي فُرضت في كل الشرائع السابقة باختلاف التفاصيل والأحكام، كما قال تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183].

ويُعد الصيام أحد أركان الإسلام الخمسة، وله من الخصوصية والفضل ما لم يُذكر في غيره، فقد قال النبي ﷺ عن ربه: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به". كما خُصَّ الصائمون بباب في الجنة لا يدخله سواهم يُسمى "باب الريان".

هذه العبادة الجليلة تزرع في النفوس أعظم صفات المؤمن: التقوى، التي قال الله عنها: ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة: 197]، وهي الغاية النهائية من الصيام. والتقوى في الصوم تنبع من كونه عبادة خفية لا يطّلع عليها أحد إلا الله؛ فهي سر بين العبد وربه، ما يُنمِّي الإخلاص، ويزرع في القلب مراقبة الله في السر والعلن.

ولهذا نجد الكثيرين في رمضان يزدادون حرصًا على الطاعة، فيسألون عن أدق تفاصيل الصيام، ويتورعون عن كل ما قد يبطله أو يُنقص أجره، مما يعكس أثر الصيام في ترقيق القلوب وتعظيم الشعائر.

 

الشيعة - النشأة، الفرق، الأصول والعقائد

المطلب الأول: النشأة التاريخية للتشيع

يجمع المؤرخون على أن الخلافات الكبرى التي أدت إلى انقسام الأمة بدأت بعد حادثة مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه. وقد أشعلت هذه الفتنة الأولى شرارة الانقسام، والذي بلغ ذروته في التنازل التاريخي الذي قدّمه الحسن بن علي رضي الله عنه لمعاوية بن أبي سفيان، حقنًا لدماء المسلمين.

ظهر في هذا السياق فريقان:

  • فريق أيّد علي بن أبي طالب، وبايعه، وناصَره، وعُرف فيما بعد باسم "شيعة علي".
  • وفريق آخر التحق بـمعاوية يطالب بدم عثمان رضي الله عنه.

وقد اعتزل فريق ثالث الفتنة، ولم يشتركوا في القتال، وكان لكل فئة اجتهادها وإن كان الحق مع علي رضي الله عنه كما ثبت في الحديث الصحيح: "ويح عمار تقتله الفئة الباغية"، وقد قُتل في صف علي.

من هنا بدأت لفظة "الشيعة" في الانتشار، وكانت في بدايتها مصطلحًا لغويًا يشير إلى الأتباع والأنصار، ثم أصبحت عَلَمًا على طائفة بعينها تدّعي الولاء لعلي وأهل بيته. ورغم أن بعض الشيعة يزعمون أن التشيع نشأ في عهد النبي ﷺ، إلا أن المؤرخين الثقات يخالفون هذا الزعم، ويرون أن نشأته الحقيقية كانت بعد الفتنة الكبرى.

المطلب الثاني: الفرق الشيعية وتطورها

يُعد عبد الله بن سبأ، اليهودي الأصل، من أوائل من زرعوا بذور الغلو في التشيع. وقد تسبب في ظهور طائفة "السبئية" التي اعتقدت ألوهية علي رضي الله عنه، وزعمت أنه لم يمت.

ثم تفرعت من هذه الطائفة عدد من الفرق، أبرزها:

  • الكيسانية
  • الزيدية
  • الإمامية
  • الغلاة
  • الإسماعيلية

ويُمكن تقسيم الشيعة إجمالًا إلى قسمين:

القسم الأول: الشيعة المعتدلون

وهم الأقرب لأهل السنة، لا يُكفّرون الصحابة، ولا يقولون بتحريف القرآن، ويقرّون بإمامة الشيخين. ومنهم الزيدية، ويتركّز وجودهم في اليمن. وقد نبغ منهم علماء كـالإمام الشوكاني والأمير الصنعاني.

القسم الثاني: الشيعة الغلاة

وهم الذين خالفوا أصول الإسلام في قضايا جوهرية كالإمامة، والعصمة، وتحريف القرآن، والتأليه. ومن أبرزهم: الاثنا عشرية، النصيرية، الإسماعيلية، الكيسانية. وقد وقع بعضهم في الكفر الصريح لما في معتقداتهم من شركيات وتجاوزات في حق الله ورسوله .

المطلب الثالث:  أصول التشيع ومصادره الفكرية 

الأصل اليهودي:

يرى عدد من الباحثين أن جذور التشيع تعود إلى الفكر اليهودي، بسبب:

  • دور عبد الله بن سبأ في نشر فكرة النص والرجعة.
  • التشابه في بعض العقائد كفكرة الإمام الخفي، وتفضيل الأئمة على الأنبياء.

الأصل الفارسي:

يشير باحثون -منهم الشيخ محمد أبو زهرة- إلى أن التشيع تأثر بالنظام الملكي الفارسي الوراثي، وخاصة فكرة أن الحكم يجب أن يبقى في نسل معين. كما يتجلى ذلك في الروايات التي تبالغ في تعظيم سلمان الفارسي وتمنحه صفات فوق طاقة البشر.

الأصل الآسيوي والبوذي:

ذهب بعض الباحثين -كابن تيمية وأحمد أمين- إلى أن التشيع تأثر ببعض العقائد الآسيوية، مثل الحلول، وتناسخ الأرواح، وتأليه البشر، وهذه عقائد نجدها عند المجوس والهنود والبوذيين.

أهم عقائد الشيعة (عرض مختصر)

يضم الفكر الشيعي طيفًا واسعًا من العقائد، بعضها مخالف صريح لما هو معلوم من الدين بالضرورة، نعرض أهمها بإيجاز:

  • الغلو في الأئمة حتى التأليه لبعضهم، كعلي والحسين.
  • عقيدة البداء التي تنسب الجهل لله تعالى الله عن ذلك.
  • عصمة الأئمة الاثني عشر، مما يخالف ختم النبوة.
  • تحريف القرآن، حيث يزعم بعضهم أن القرآن ناقص ومحرف.
  • إهانة الصحابة وأمهات المؤمنين، وخاصة أبي بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم.
  • التقية، أي إظهار خلاف الاعتقاد لأجل المصلحة.
  • زواج المتعة، الذي يُستخدم ذريعة للفساد والانحلال.
  • الرجعة، أي عودة الأئمة أو الحسين قبل يوم القيامة.
  • إحياء طقوس الجاهلية كالنياحة، وشق الجيوب، وضرب الصدور يوم عاشوراء.

وتجدر الإشارة إلى أن الشيعة ليسوا على قلب رجل واحد، بل هم طوائف متفرقة، تتفاوت درجات الغلو والانحراف في عقيدتها، كما قال الله تعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم: 32].