إن الآية الكريمة ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ تمثل قاعدة كبرى في منهج الإسلام لحل الخلافات والنزاعات، فهي ترسم للمسلمين المنهج الصحيح في الرجوع عند الاختلاف، وتؤكد أن العصمة والحق المطلق لا يكونان إلا في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ. وقد بيّن العلماء والمفسرون من السلف والخلف أن الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول في حياته إليه شخصيًا، وبعد وفاته إلى سنته المطهرة، وهو ما أجمع عليه أهل العلم قاطبة.
فقوله: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ فهذا نكرة في سياق الشرط، والنكرة في سياق الشرط تفيد العموم، فالتنازع هنا يعم في كل شيء صغير، او كبير، خفي، او جلي، فلو لم يكن في الكتاب، والسنة كفاية في بيان الاحكام التي تنازعوا فيها لم يأمرهم ربنا الى الرجوع اليها دون غيرها، اذ من الممتنع ان يأمر الله تعالى بالرد عند النزاع الى من لا يوجد عنده فصل هذا النزاع، والآية دالة على ان العصمة فيمن عنده حل النزاع فقط دون غيره، وهو الذي امر الله تعالى بالرجوع اليه في حال التنازع، وهو الكتاب، والسنة، اذ ان الاجماع منعقد على ان الرد الى الله تعالى هو الرد الى كتابه العزيز، والرد الى الرسول صلى الله عليه واله وسلم في حياته اليه، وبعد مماته الى سنته المطهرة.
من مواضيع السقيفة:
رواية الشاب الأمرد في كتب الشيعة
الرد على منكري نفي رؤية الله سبحانه وتعالى
كشف افتراءات الرافضة التفريق بين السنة والوهابية
قال الامام ابن القيم:
" انَّ النَّاسَ أَجْمَعُوا أَنَّ الرَّدَّ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ هُوَ الرَّدُّ إلَى كِتَابِهِ، وَالرَّدَّ إلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الرَّدُّ إلَيْهِ نَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ وَإِلَى سُنَّتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ "
إعلام الموقعين – ابو عبد الله محمد بن ابي بكر بن قيم الجوزية - ج 1 ص 39
وفي نهج البلاغة:
" وَلَمَّا دَعَانَا الْقَوْمُ إِلَى أَنْ نُحَكِّمَ بَيْنَنَا الْقُرْآنَ لَمْ نَكُنِ الْفَرِيقَ الْمُتَوَلِّيَ عَنْ كِتَابِ اللهِ، وقَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ﴾، فَرَدُّهُ إِلَى اللهِ أَنْ نَحْكُمَ بِكِتَابِهِ، وَرَدُّهُ إِلَى الرَّسُولِ أَنْ نَاخُذَ بسُنَّتِهِ "
نهج البلاغة – الشريف الرضي - ج 2 ص 5
وقال شيخ الاسلام:
" لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ الْعِصْمَةَ عِنْدَ تَنَازُعِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا فِي الرَّدِّ إلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَلَى الْهَوَى "
مجموع الفتاوى – ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية - ج 32 ص 120
وقال رضي الله عنه:
" فَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يُطِيعُونَ وُلَاةَ الْأُمُورِ مُطْلَقًا، إِنَّمَا يُطِيعُونَهُمْ فِي ضِمْنِ طَاعَةِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [سُورَةُ النِّسَاءِ: 59] ، فَأَمَرَ بِطَاعَةِ اللَّهِ مُطْلَقًا وَأَمَرَ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ، لِأَنَّهُ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِطَاعَةِ اللَّهِ ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [سُورَةُ النِّسَاءِ: 80]، وَجَعَلَ طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ دَاخِلَةً فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: ﴿وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ طَاعَةً ثَالِثَةً، لِأَنَّ وَلِيَّ الْأَمْرِ لَا يُطَاعُ طَاعَةً مُطْلَقَةً إِنَّمَا يُطَاعُ فِي الْمَعْرُوفِ "
منهاج السنة النبوية – ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 3 ص 387
وقال ايضا:
" وَالرَّسُولُ - هُوَ الْمُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَلَا يُطَاعُ مَخْلُوقٌ طَاعَةً مُطْلَقَةً إِلَّا هُوَ "
منهاج السنة النبوية – ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 3 ص 490