الإمامة نزلت في علي رضي الله عنه (2)
تُعدّ آية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ من الآيات العظيمة التي أرست مبدأ الطاعة المنضبطة في الإسلام، حيث رتّبت مراتبها على طاعة الله أولاً، ثم طاعة رسوله ﷺ، ثم طاعة ولاة الأمور من المسلمين، شريطة أن تكون هذه الطاعة في إطار الشرع. وقد حاول بعض الفرق، وعلى رأسها الإمامية الاثنا عشرية، حصر معنى "أولي الأمر" في أئمة معصومين، إلا أن دلالة النصوص الشرعية واللغة القرآنية تردّ هذه الدعوى وتكشف بطلانها.
اخرج الامام الحاكم في معرفة علوم الأثر:
حديثا يتعلق بالآية الكريمة ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾، حيث قال:"حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ
من مواضيع السقيفة:
رواية الشاب الأمرد في كتب الشيعة
الرد على منكري نفي رؤية الله سبحانه وتعالى
كشف افتراءات الرافضة التفريق بين السنة والوهابية
قَالَ: ثنا أَبُو يَحْيَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَّامٍ الرَّازِيُّ، بأَصْبَهَانَ
قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ الضُّرَيْسِ قَالَ: ثنا عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ،
قَالَ: ثنا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيّ.
قَالَ: "نَزَلَتْ هَذِهِ الآية عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ [المائدة: 55] فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بَيْنَ رَاكِعٍ وَقَائِمٍ، فَصَلَّى، فَإِذَا سَائِلٌ،
قَالَ: «يَا سَائِلُ أَعْطَاكَ أحد شَيْئًا؟»، فَقَالَ: لَا إِلَّا هَذَا الرَّاكِعَ، لِعَلِيٍّ، أَعْطَانِي خَاتَمًا قَالَ الْحَاكِمُ: هَذَا حَدِيثٌ تَفَرَّدَ بِهِ الرَّازِيُّونَ، عَنِ الْكُوفِيِّينَ، فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ الضُّرَيْسِ الرَّازِيَّ قَاضِيهِمْ، وَعِيسَى الْعَلَوِيُّ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ"
معرفة علوم الحديث - ابو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم - ص 102
فعلق الامام الالباني على هذا الاثر في السلسلة الضعيفة، وحكم عليه بالنكارة، حيث قال:
"4921 - (نزلت هذه الآية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل المسجد؛ والناس يصلون بين راكع وقائم يصلي؛ فإذا سائل، قال: يا سائل! أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: لا؛ إلا هذا الراكع - لعلي - أعطاني خاتماً).
منكر
أخرجه الحاكم في"علوم الحديث":
(ص 102)، وابن عساكر (12/ 153/ 2) من طريق محمد بن يحيى بن الضريس: حدثنا عيسى بن عبد الله ابن عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب قال: حدثنا أبي عن أبيه عن جده عن علي قال... فذكره. وقال الحاكم:
"تفرد به ابن الضريس عن عيسى العلوي الكوفي".
قلت: وهو متهم؛ قال في"الميزان":
قال الدارقطني: "متروك الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن آبائه أشياء موضوعة". ثم ساق له أحاديث.
(تنبيه):
عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر... إلخ؛ هكذا وقع في هذا الإسناد عند المذكورين.
والذي في"الميزان"و"اللسان":
عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر! فسمى جده: محمداً، بدل: عبيد الله؛ ولعله الصواب؛ فإنه كذلك في"الكامل" (295/ 1) في الترجمة، وفي بعض الأحاديث التي ساقها تحتها، وأحدها من طريق محمد بن يحيى بن ضريس: حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد... ثم قال: "وبهذا الإسناد تسعة أحاديث مناكير، وله غير ما ذكرت، وعامة ما يرويه لا يتابع عليه".
ومما سبق؛ تعلم أن قول الآلوسي في"روح المعاني"(2/ 329):"إسناده متصل"! مما لا طائل تحته!
واعلم أنه لا يتقوى الحديث بطرق أخرى ساقها السيوطي في"الدر المنثور"(2/ 293)؛ لشدة ضعف أكثرها، وسائرها مراسيل ومعاضيل لا يحتج بها!....."
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة - محمد ناصر الدين الالباني - ج 10 ص 580 - 581
ومع ان الامام ابن جرير الطبري قد اورد الاثار الواردة في اسباب النزول، الا انه ذكر ان تفسير الآية لا يتعلق بشخص بعينه، وان المراد بالمؤمنين هو جماعتهم، والمراد بذلك ولاية اهل الايمان ونصرتهم، والبراءة من اليهود، والنصارى، حيث قال:"الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ لَيْسَ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ نَاصِرٌ إِلَّا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ صِفَتُهُمْ مَا ذَكَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ. فَأَمَّا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ أَمَرَكُمُ اللَّهُ أَنْ تَبَرَّءُوا مِنْ وَلَايَتِهِمْ وَنَهَاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ، فَلَيْسُوا لَكُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَا نُصَرَاءَ، بَلْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، ﴿وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾.
تفسير الطبري – ابو جعفر محمد بن جرير الطبري – ج 8 ص 529
فالآية تتعلق بالولاء والبراء، وهي ضمن ايات في هذا السياق ولهذا قال العلامة ابن عاشور رحمه الله:
"جُمْلَةُ ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَى آخِرِهَا مُتَّصِلَةٌ بِجُمْلَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ﴾ [الْمَائِدَة: 51] وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهَا مِنْ قَوْلِهِ ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ- إِلَى قَوْلِهِ- فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ﴾ [الْمَائِدَة: 52، 53]. وَقَعَتْ جُمْلَةُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ﴾ [الْمَائِدَة: 54] بَيْنَ الآيات مُعْتَرِضَةً، ثُمَّ اتَّصَلَ الْكَلَامُ بِجُمْلَةِ ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾. فَمَوْقِعُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَوْقِعُ التَّعْلِيلِ لِلنَّهْيِ، لِأَنَّ وَلَايَتَهُمْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مُقَرَّرَةٌ عِنْدَهُمْ فَمَنْ كَانَ اللَّهُ وَلَيَّهُ لَا تَكُونُ أَعْدَاءُ اللَّهِ أَوْلِيَاءَهُ. وَتُفِيدُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ تَأْكِيدًا لِلنَّهْيِ عَنْ وَلَايَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَفِيهِ تَنْوِيهٌ بِالْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِطَرِيقَةِ تَأْكِيدِ النَّفْيِ أَوِ النَّهْيِ بِالْأَمْرِ بِضِدِّهِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ يَتَضَمَّنُ أَمْرًا بِتَقْرِيرِ هَذِهِ الْوَلَايَةِ وَدَوَامِهَا، فَهُوَ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ، وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ (إِنَّمَا) قَصْرُ صِفَةٍ عَلَى مَوْصُوفٍ قَصْرًا حَقِيقِيًّا.
وَمَعْنَى كَوْنِ الَّذِينَ آمَنُوا أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ﴾ [التَّوْبَة: 71]. وَإِجْرَاءُ صِفَتَيْ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا لِلثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ جُمْلَةُ ﴿وَهُمْ راكِعُونَ﴾. وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُمْ راكِعُونَ﴾ مَعْطُوف على الصّفة.
وَظَاهِرُ مَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ:
أَنَّهَا عَيْنُ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿يُقِيمُونَ الصَّلاةَ﴾، إِذِ الْمُرَادُ بِراكِعُونَ مُصَلُّونَ لَا آتُونَ بِالْجُزْءِ مِنَ الصَّلَاةِ الْمُسَمَّى بِالرُّكُوعِ. فَوُجِّهَ هَذَا الْعَطْفُ: إِمَّا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكُوعِ رُكُوعُ النَّوَافِلِ، أَيِ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ الْمَفْرُوضَةَ وَيَتَقَرَّبُونَ بِالنَّوَافِلِ وَإِمَّا الْمُرَادُ بِهِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ مِنَ الدَّوَامِ وَالثَّبَاتِ، أَيِ الَّذِينَ يُدِيمُونَ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ.
وَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُمْ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ مُبَادَرَةً بِالتَّنْوِيهِ بِالزَّكَاةِ، كَمَا هُوَ دَأْبُ الْقُرْآنِ. وَهُوَ الَّذِي اسْتَنْبَطَهُ أَبُو بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- إِذْ قَالَ: «لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ». ثُمَّ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَتَخَلَّفُونَ عَنْ أَدَاءِ الصَّلَاةِ فَالْوَاوُ عَاطِفَةُ صِفَةٍ عَلَى صِفَةٍ، وَيَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ الْجُمْلَةُ حَالًا. وَيُرَادُ بِالرُّكُوعِ الْخُشُوعُ"
التحرير والتنوير – محمد الطاهر بن محمد بن عاشور التونسي – ج 6 ص 240
وقال شيخ الاسلام ابن تيمية:
"وَقَدْ وَضَعَ بَعْضُ الْكَذَّابِينَ حَدِيثًا مُفْتَرًى أَنَّ هَذِهِ الآية نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ لَمَّا تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ فِي الصَّلَاةِ، وَهَذَا كَذِبٌ. بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ [بِالنَّقْلِ].
وَكَذِبُهُ بَيِّنٌ، مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ:
مِنْهَا: أَنَّ قَوْلَهُ (الَّذِينَ) صِيغَةُ جَمْعٍ، وَعَلِيٌّ وَاحِدٌ.
وَمِنْهَا: أَنَّ (الْوَاوَ). لَيْسَتْ وَاوَ الْحَالِ، إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ لَا يَسُوغُ. أَنْ يَتَوَلَّى إِلَّا مَنْ أَعْطَى الزَّكَاةَ فِي حَالِ الرُّكُوعِ، فَلَا يَتَوَلَّى سَائِرُ الصَّحَابَةِ وَالْقَرَابَةِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَدْحَ إِنَّمَا يَكُونُ بِعَمَلٍ وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ، وَإِيتَاءُ. الزَّكَاةِ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ لَيْسَ وَاجِبًا وَلَا مُسْتَحَبًّا [بِاتِّفَاقِ عُلَمَاءِ الْمِلَّةِ]. فَإِنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ إِيتَاؤُهَا فِي الصَّلَاةِ حَسَنًا، لَمْ يَكُنْ فَرْقٌ بَيْنَ حَالِ الرُّكُوعِ وَغَيْرِ حَالِ الرُّكُوعِ، بَلْ إِيتَاؤُهَا فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ أَمْكَنُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَيْضًا خَاتَمٌ، وَلَا كَانُوا يَلْبَسُونَ الْخَوَاتِمَ، حَتَّى كَتَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِتَابًا إِلَى كِسْرَى، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ كِتَابًا إِلَّا مَخْتُومًا، فَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَنَقَشَ فِيهَا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ .
وَمِنْهَا: أَنَّ إِيتَاءَ غَيْرِ الْخَاتَمِ فِي الزَّكَاةِ خَيْرٌ مِنْ إِيتَاءِ الْخَاتَمِ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْفُقَهَاءِ يَقُولُونَ: لَا يُجْزِئُ. إِخْرَاجُ الْخَاتَمِ فِي الزَّكَاةِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِيهِ أَنَّهُ أَعْطَاهُ السَّائِلَ، وَالْمَدْحُ فِي الزَّكَاةِ أَنْ
يُخْرِجَهَا ابْتِدَاءً وَيُخْرِجَهَا عَلَى الْفَوْرِ، لَا يَنْتَظِرُ أَنْ يَسْأَلَهُ سَائِلٌ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْكَلَامَ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ، وَالْأَمْرِ بِمُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ"
منهاج السنة النبوية – ابو العباس احمد بن عبد الحليم بن تيمية – ج 2 ص 30 – 32
وقال العلامة الالوسي:
"واستدل الشيعة بها على إمامته كرم الله تعالى وجهه، ووجه الاستدلال بها عندهم أنها بالإجماع أنها نزلت فيه كرم الله تعالى وجهه، وكلمة ﴿إنما﴾ تفيد الحصر، ولفظ الولي بمعنى المتولي للأمور والمستحق للتصرف فيها، وظاهر أن المراد هنا التصرف العام المساوي للإمامة بقرينة ضم ولايته كرم الله تعالى وجهه بولاية الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فثبتت إمامته وانتفت إمامة غيره وإلا لبطل الحصر، ولا إشكال في التعبير عن الوأحد بالجمع، فقد جاء في غير ما موضع؛ وذكر علماء العربية أنه يكون لفائدتين: تعظيم الفاعل وأن من أتى بذلك الفعل عظيم الشأن بمنزلة جماعة كقوله تعالى: ﴿إن إبراهيم كان أمة﴾ [ النحل: 120 ] ليرغب الناس في الإتيان بمثل فعله، وتعظيم الفعل أيضا حتى أن فعله سجية لكل مؤمن، وهذه نكتة سرية تعتبر في كل مكان بما يليق به.
وقد أجاب أهل السنة عن ذلك بوجوه:
الأول: النقض بأن هذا الدليل كما يدل بزعمهم على نفي إمامة الأئمة المتقدمين كذلك يدل على سلب الإمامة عن الأئمة المتأخرين كالسبطين رضي الله تعالى عنهما وباقي الاثني عشر رضي الله تعالى عنهم أجمعين بعين ذلك التقرير، فالدليل يضر الشيعة أكثر مما يضر أهل السنة كما لا يخفى، ولا يمكن أن يقال: الحصر إضافي بالنسبة إلى من تقدمه لأنا نقول: إن حصر ولاية من استجمع تلك الصفات لا يفيد إلا إذا كان حقيقيا، بل لا يصح لعدم استجماعها فيمن تأخر عنه كرم الله تعالى وجهه، وإن أجابوا عن النقض بأن المراد حصر الولاية في الأمير كرم الله تعالى وجهه في بعض الأوقات أعني وقت أمامته لا وقت إمامة السبطين ومن بعدهم رضي الله تعالى عنهم قلنا: فمرحبا بالوفاق إذ مذهبنا أيضا أن الولاية العامة كانت له وقت كونه إماما لا قبله وهو زمان خلافة الثلاثة، ولا بعده وهو زمان خلافة من ذكر.
فإن قالوا: إن الأمير كرم الله تعالى وجهه لو لم يكن صاحب ولاية عامة في عهد الخلفاء يلزمه نقص بخلاف وقت خلافة أشباله الكرام رضي الله تعالى عنهم فإنه لما لم يكن حيا لم تصر إمامة غيره موجبة لنقص شرفه الكامل لأن الموت رافع لجميع الأحكام الدنيوية يقال: هذا فرار وانتقال إلى استدلال آخر ليس مفهوما من الآية إذ مبناه على مقدمتين:
الأولى: أن كون صاحب الولاية العامة في ولاية الآخر ولو في وقت من الأوقات غير مستقل بالولاية نقص له.
والثانية: أن صاحب الولاية العامة لا يلحقه نقص ما بأي وجه وأي وقت كان، وكلتاهما لا يفهمان من الآية أصلا كما لا يخفى على ذي فهم، على أن هذا الاستدلال منقوض بالسبطين زمن ولاية الأمير كرم الله تعالى وجهه، بل وبالأمير أيضا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم،
والثاني: أنا لا نسلم الإجماع على نزولها في الأمير كرم الله تعالى وجهه، فقد اختلف علماء التفسير في ذلك، فروى أبو بكر النقاش صاحب «التفسير المشهور» عن محمد الباقر رضي الله تعالى عنه أنها نزلت في المهاجرين والأنصار، وقال قائل: نحن سمعنا أنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه، فقال: هو منهم يعني أنه كرم الله تعالى وجهه داخل أيضا في المهاجرين والأنصار ومن جملتهم. وأخرج أبو نعيم في (الحلية) عن عبد الملك بن أبي سليمان وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الباقر رضي الله تعالى عنه أيضا نحو ذلك، وهذه الرواية أوفق بصيغ الجمع في الآية، وروى جمع من المفسرين عن عكرمة أنها نزلت في شأن أبي بكر رضي الله تعالى عنه.
والثالث: أنا لا نسلم أن المراد بالولي المتولي للأمور والمستحق للتصرف فيها تصرفا عاما، بل المراد به الناصر لأن الكلام في تقوية قلوب المؤمنين وتسليها وإزالة الخوف عنها من المرتدين وهو أقوى قرينة على ما ذكره، ولا يأباه الضم كما لا يخفى على من فتح الله تعالى عين بصيرته، ومن أنصف نفسه علم أن قوله تعالى فيما بعد: ﴿ياأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء﴾ [ المائدة: 57 ] آب عن حمل الولي على ما يساوي الإمام الأعظم لأن أحدا لم يتخذ اليهود والنصارى والكفار أئمة لنفسه وهم أيضا لم يتخذ بعضهم بعضا إماما، وإنما اتخذوا أنصارا وأحبابا، وكلمة ﴿إنما﴾ المفيدة للحصر تقتضي ذلك المعنى أيضا لأن الحصر يكون فيما يحتمل اعتقاد الشركة والتردد والنزاع، ولم يكن بالإجماع وقت نزول هذه الآية تردد ونزاع في الإمامة وولاية التصرف؛ بل كان في النصرة والمحبة"
روح المعاني – ابو الثناء شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي - ج 5 ص 29 – 30
ولفظ الولي الذي ورد في الآية الكريمة هو لفظ مشترك، وله عدة معان في اللغة، قال ابن منظور:"قَالَ ابْنُ الأَثير: الظَّاهِرُ مِنَ الْمَذَاهِبِ وَالْمَشْهُورُ أَن مَوالي بَنِي هاشِم والمُطَّلِب لَا يَحرم عَلَيْهِمْ أَخذ الزَّكَاةِ لِانْتِفَاءِ السَّبَبِ الَّذِي بِهِ حَرُمَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطَّلِبِ، وَفِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ عَلَى وَجْهٍ أَنه يَحْرُمُ عَلَى الْمَوَالِي أَخذها لِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَنَفِي التَّحْرِيمِ أَنه إِنما قَالَ هَذَا الْقَوْلَ تَنْزِيهًا لَهُمْ، وَبَعْثًا عَلَى التَّشَبُّهِ بسادتِهم والاسْتِنانِ بسنَّتهم فِي اجْتِنَابِ مَالِ الصَّدَقَةِ الَّتِي هِيَ أَوساخ النَّاسِ، وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْمَوْلَى فِي الْحَدِيثِ، قَالَ: وَهُوَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ فَهُوَ: الرَّبُّ والمالِك والسَّيِّدُ والْمُنْعِم والْمُعْتِقُ والنَّاصِر والمُحِبُّ والتَّابع والجارُ وَابْنُ العَم والحَلِيفُ والعَقِيدُ والصِّهْرُ والعَبْدُ والمُعْتَقُ والمُنْعَمُ عَلَيْهِ، قَالَ: وأَكثرها قَدْ جاءَت فِي الْحَدِيثِ فَيُضَافُ كُلُّ وَأحد إِلى مَا يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِيهِ، وكلُّ مَنْ وَليَ أَمراً أَو قَامَ بِهِ فَهُوَ مَوْلاه وَوَلِيُّه، قَالَ: وَقَدْ تَخْتَلِفُ مَصَادِرُ هَذِهِ الأَسماءِ، فالوَلايةُ بِالْفَتْحِ فِي النَّسَبِ والنُّصْرة والعِتْق والوِلايةُ بِالْكَسْرِ فِي الإِمارة والوَلاءُ فِي المُعْتَق، والمُوالاةُ مَنْ وَالَى القومَ......"
لسان العرب - محمد بن مكرم بن على بن منظور الافريقي - ج 15 ص 409
واللفظ المشترك تحدد المراد منه القرينة، والقرينة اما ان تكون من السياق، او من دليل اخر، فالسياق واضح على ان المراد هنا النصرة، والمحبة، والبراءة من الكفار.
لقد ذكر بعض علماء الامامية ان استخدام اللفظ المشترك فيه لبس.
قال الطوسي:"وقوله:
"واركعوا مع الراكعين"إنما خص الركوع بالذكر من أفعال الصلاة لما قال بعض المفسرين: إن المأمورين هم أهل الكتاب، ولا ركوع في صلاتهم وكان الاحسن ذكر المختص دون المشترك، لإنه أبعد عن اللبس"
التبيان - الطوسي – ج 1 ص 195
ولقد قال المجلسي بان استعمال اللفظ المشترك في جميع مفهوماته غير جائز، حيث قال في البحار:"ثبت أن استعمال اللفظ المشترك لإفادة جميع مفهوماته معا غير جائز"
بحار الأنوار - المجلسي - ج 57 ص 167
ولهذا اقول ان اراد الامامية ان معنى وليكم اي امامكم، فيلزم من هذا ان يكون الله تعالى اماما، والعياذ بالله تعالى، فالله تعالى لا يقال عنه امام، ولكن يقال عنه محب، وناصر، فالمحب، والناصر مراد في المعنى، ولا يوجد اي محذور في اطلاقه على الله تعالى.
ولقد وردت نصوص قرانية فيها لفظ الولي، والمولى، واذا لم يحملها الامامية على الفهم الصحيح الذي يتناسب مع السياق، والقرائن الدالة على المعنى المراد من النص، فسوف يقعون في محاذير شرعية كثيرة، كما وقعوا في حمل لفظ الولي في الآية على الامام، لاننا كما قلنا انه يلزمهم ان يطلقوا لفظ الامام على الله تعالى.
ومن هذه الآيات قوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ [التحريم:4]، فلو حملنا معنى المولى هنا على الامام لاصبح صالح المؤمنين في الآية الكريمة اماما لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وبغض النظر من يكون المراد بصالح المؤمنين في الاية، وهذا لا يقوله مسلم.
وكذلك قوله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ﴾ [التوبة: 71] فيلزم الامامية اذا كان معنى الولاية هنا الامامة ان يكون كل مؤمن، ومؤمنة امام للاخر، فبالتالي يصبح كل مؤمن امام، وكذلك مأموم، والمؤمنات كذلك، ولا يقول بهذا القول احد.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: 34]، فهل معنى ولي حميم في الاية: امام حميم؟!!!.
والآيات كثيرة جدا في هذا الموضوع.