يُعدّ حديث النبي ﷺ «الرحم شِجْنة من الرحمن» من الأحاديث العظيمة التي تكشف مكانة صلة الأرحام في الإسلام، وتبيّن مدى ارتباطها باسم الله الأعظم "الرحمن".
فهذا الحديث الشريف يجمع بين بيان عظمة شأن الرحم، والتحذير من قطعها، والتأكيد على أنّ صلتها من صلة الله، وقطيعتها سبب لقطع صلة الله بالعبد. وقد اهتم العلماء عبر القرون بتفسير ألفاظ هذا الحديث وشرح معانيه، وبيان ما يتعلق بنسبة "الحقو" لله عز وجل على منهج السلف في إثبات الصفات من غير تعطيل ولا تمثيل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي e أنه قال «الرحم شجنة من الرحمن، فقال الله: من وصلك وصلته ومن قطعك قطعته» رواه البخاري.
مقالات السقيفة ذات صلة:
أن الله كتب التوراة لموسى بيده
الأصل حمل الصفات على الحقيقة (3)
وفي لفظ آخر عنده «فقامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن».
والشجنة:
هي عروق الشجر الملتفة والمشتبكة.
ويقال: «الحديث ذو شجون» أي ذو شعب طويلة مرتبط بعضها ببعض.
والحقو هو معقد الإزار من الجنب. ويقال للإزار حقو لأنه يشد على الحقو، فالحقو هو الخصر وهو مشد الإزار.
وليست الرحمن من ذات الله وإنما اشتق لها اسما من اسم الله لعظم شأن الرحمة وصلة الرحم عند الرحمن. فهي إضافة تشريف كقوله تعالى ﴿هذه ناقة الله لكم آية﴾ (الأعراف73).
وقوله: (الرحم شجنة من الرحمن) لابتداء الغاية وليس للتبعيض. وهو كقوله تعالى ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ﴾ (النساء171).
مقالات السقيفة ذات صلة:
الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها
أصول أهل السنة والجماعة في الصفات
رواية الشاب الأمرد في كتب الشيعة
ونحن نثبت لله ما أثبته الرسول e مما صح إسناده إليه تماما مثلما أننا أثبتنا صفة اليد لله تعالى من غير تشبيه ولا تمثيل. ولولا أن الرسول وصف ربه بذلك ما وصفناه بذلك. وهذا ما يقتضيه الاسلام وهو أن نستسلم لما وصف الله به نفسه.
وكما أن لله يدا لم نستوحش من وصفه بها وهي ليست كأيدينا فكذلك لا نستوحش من وصف الله بالحقو الذي وصفه به نبينا صلى الله عليه وسلم. كما قال ذلك إمام السنة أحمد بن حنبل «يُمضىَ الحديث كما جاء»
(إبطال التأويلات2/421).
ولماذا يقال هذا تشبيه والله ليس كمثله شيء كما أخبرنا؟
وأما تعلق الرحم بالله فهو تعلق اللياذ والاعتصام فهو معنى صحيح على أن لا يستعمل من أجل نفي هذه الصفة لله تعالى.
وهذه الصفة ننظر موقف السلف منها. فإن أولوها أولناها وإن قالوا: لا نؤولها فنحن تبع لهم في ذلك.
قال المروزي:
قرأت على أبي عبد الله (أحمد بن حنبل) كتاباً، فَمَرَّ فيه ذكر حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «إنَّ الله خلق الرحم حتى إذا فرغ منها أخذت بحقو الرحمن. فرفع المحدث رأسه وقال: أخاف أنَّ تكون كفرت. قال أبو: هذا جهمي».
وقال أبو طالب: «سمعت أبا عبد الله يسأل عن حديث هشام بن عمار أنه قريء عليه حديث الرحم «تجيء يوم القيامة فتعلق بالرحمن تعالى» أخاف أنَّ تكون قد كفرت. فقال: هذا شامي ما له ولهذا؟ قلت: فما تقول؟ قال: يمضي كل حديث على ماجاء».