الحمد لله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
لقد اعتنى علماء الإسلام عبر العصور ببحث مسائل العقيدة، ومن أبرزها مسألة إثبات الصفات الإلهية كما وردت في الكتاب والسنة دون تعطيل أو تمثيل. ومن المسائل التي كثر فيها الخلاف: مسألة إثبات صفة الصوت لله تعالى، حيث وردت أحاديث صحيحة في ذلك، منها حديث البخاري في "كتاب التوحيد": «يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك، أنا الديان».
وهنا يبرز الخلاف بين أهل السنة المثبتين، وبين بعض المتكلمين الذين أولوا النصوص أو نفوا ثبوتها. وسيعرض هذا المقال أهم الأدلة والنقاشات التي دارت حول هذه المسألة مع بيان موقف أئمة الحديث والسنة منها
من مقالات السقيفة ذات صلة:
الإلحاد في أسماء الله تعالى هو الميل بها عما يجب فيها
أصول أهل السنة والجماعة في الصفات
شبهة: إن الله لا يُرى، بل الذي يُرى هو (النور) والرد عليها
عن جابر عن عبد الله بن أنيس قال سمعت النبى صلى الله عليه وسلم يقول «يحشر الله العباد فيناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب أنا الملك، أنا الديان»
(رواه البخاري6/2719).
قال الشيخ الألباني:
«وقد أعله أبو الحسن بن الفضل بقوله: إنه تفرد به حفص بن غياث عن الأعمش بهذا اللفظ! ولكن رده الحافظ ابن حجر بقوله في (الفتح13/386).
«وليس كما قال. فقد وافقه عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة عن أبيه عن المحاربي».
قلت: (أي الألباني) «وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله في حديث له بلفظ (فينادي بصوت يسمعه من بَعَُد كما يسمعه من قَرُبَ) وهو حديث صحيح، علقه البخاري في صحيحه ووصله في (أفعال العباد ص89) وفي (الأدب المفرد 970) وغيره وقواه الحافظ ابن حجر»
(سلسلة الأحاديث الصحيحة13/53).
وقد نفى البيهقي أن يصح حديث في إثبات الصوت وحمل حديث «إذا تكلم الله بالوحي سمع صوته أهل السماء» على احتمال أن يكون الصوت للسماء أو للملك الآتي بالوحي أو لأجنحة الملائكة [الأسماء والصفات 347 وقال أبو بكر بن فورك الشيء نفسه في كتابه.
(مشكل الحديث 450-451)].
من مقالات السقيفة ذات صلة:
إلزام: إسماعيل لم يكن هو إسماعيل!!!
حجرة السيدة عائشة اطهر بقعه على وجه الأرض بإعتراف الشيعة
الحر العاملي ( لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن)
وهذا التأويل المحتمل للصوت مردود فقد جاء في الحديث «أن الملائكة إذا سمعوا صوته صعقوا» وهم لا يصعقون إذا سمع بعضهم بعضاً.
ولهذا تعقبه الحافظ ابن حجر في الفتح بأن هذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة.
قال ويلزم منه «أن الله لم يسمع أحداً من ملائكته ورسله كلامه بل ألهمهم إياه...». وتعقبه أيضاً في تضعيفه لأحاديث الصوت مبيناً صحة طرقها ومنها حديث حشر العباد الذي أخرجه البخاري، وفيه «فيناديهم بصوت يسمعه من قرب: أنا الملك الديان» [فتح الباري 13/457 والحديث أخرجه البخاري في كتاب التوحيد معلقاً باب قول الله ﴿وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَه﴾.
وانتهى الحافظ ابن حجر إلى القول: «بأن هذه الأحاديث أطبق أهل السنة على قبولها» ثم قال: «وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة وجب الإيمان به».
[فتح الباري 13/ 460].
وصدق الحافظ ابن حجر فإن البيهقي قال: «ولم يثبت صفة الصوت في كلام الله أو في حديث صحيح عن النبي غير حديثه، وليس بنا ضرورة إلى إثباته»
[الأسماء والصفات 347].
وليُعلم أن البخاري احتج بهذا الحديث ثم قال: «وفي هذا دليلٌ أن صوت الله لا يشبه أصوات الخلق لأن صوت الله يُسمع من قرب كما يُسمَع من بُعد وأن الملائكة يُصعَقون من صوته. فإذا تنادى الملائكة لم يُصعَقوا».
[كتاب خلق أفعال العباد للبخاري 98].
وهذا التعقيب يصلح توجيهه ضد كل من احتج بنفي البيهقي لصفة الصوت.
والله قال لموسى ﴿فاستمع لِما يُوحى﴾ [طه: 13] ولم يقل له فافهم ما يوحى.
قال الحافظ:
«وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين لأنها التي عُهد أنها ذات مخارج. ولا يخفى ما فيه إذ الصوت قد يكون من غير مخرج كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق. سلمنا. لكن نمنع القياس المذكور، وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق، وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة، وجب الإيمان به، ثم إما التفويض وإما التأويل. وبالله التوفيق».
قلت: ليس هذا من توفيق الله. بل التوفيق الالهي تفويض حقائقها وكيفيتها إلى الله وإثبات معانيها مقرونة بـ ﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾
والأشاعرة المتناقضون لم يستفيدوا من ذلك شيئا فإنهم ينفرون من حديث الصوت ولا ينفرون من رؤية الله وفيها عين ما يلزم من الصوت. ولكن الأشاعرة قوم يتناقضون.