تُعدّ مسألة عصمة الأنبياء من القضايا العقدية المهمة التي طالما كانت محل نقاش بين علماء المسلمين، لما لها من صلة وثيقة بمقام النبوة، وبأمانة التبليغ عن الله عز وجل. وقد أكد العلماء جميعًا أن الأنبياء معصومون من الكفر والخيانة والكبائر التي تقدح في الرسالة، غير أن الخلاف وقع في مسألة وقوع الصغائر أو الهفوات منهم. وهنا برز موقف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، الذي قرر أن القول بجواز الصغائر على الأنبياء دون الكبائر هو قول جمهور علماء المسلمين من المفسرين والمحدثين والفقهاء وأهل الكلام، وأن هذا القول لا يقدح في عصمتهم في التبليغ، ولا يُخرج قائله عن الإسلام، بل هو قول السلف والأئمة
مقالات السقيفة ذات الصلة:
شبهة (إسبال الثوب) في قوله (وثيابك فطهر)
تفسير قوله تعالى: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ بين الفهم اللغوي ومنهج أهل السنة
استدلال بعض المخالفين بآية: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ على نفي رؤية الله تعالى
قال ابن تيمية:
وَاتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمُنَازِعِينَ فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَاَلَّذِينَ قَالُوا: إنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الصَّغَائِرُ وَالْخَطَأُ وَلَا يُقَرُّونَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يُكَفَّرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مِنْ الْإِقْرَارِ عَلَى ذَلِكَ.
اخترنا لكم من مقالات السقيفة:
إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله… وعترتي أهل بيتي
مجموع الفتاوى ج 35 ص 100
وسئل الشيخ - رحمه الله -: |
عن رجل قال: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من الكبائر دون الصغائر فكفره رجل بهذه فهل قائل ذلك مخطئ أو مصيب؟ وهل قال أحد منهم بعصمة الأنبياء مطلقا؟ وما الصواب في ذلك؟. |
فأجاب:
الحمد لله رب العالمين، ليس هو كافرا باتفاق أهل الدين ولا هذا من مسائل السب المتنازع في استتابة قائله بلا نزاع كما صرح بذلك القاضي عياض وأمثاله مع مبالغتهم في القول بالعصمة وفي عقوبة الساب؛ ومع هذا فهم متفقون على أن القول بمثل ذلك ليس هو من مسائل السب والعقوبة فضلا أن يكون قائل ذلك كافرا أو فاسقا؛ فإن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر هو قول أكثر علماء الإسلام وجميع الطوائف حتى إنه قول أكثر أهل الكلام كما ذكر "أبو الحسن الآمدي" أن هذا قول أكثر الأشعرية وهو أيضا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء بل هو لم ينقل عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول ولم ينقل عنهم ما يوافق القول.
مجموع الفتاوى ج 4 ص 319