تُعدّ "العصمة" من المفاهيم القرآنية العميقة التي تناولها العلماء بالبحث والتأمل، حيث وردت في مواضع متعددة من كتاب الله عز وجل بمعناها اللغوي الدال على المنع والحفظ والوقاية. وقد جاء استعمال القرآن للعصمة متوافقًا مع هذا الأصل اللغوي، ليؤكد أن العصمة لا تنفك عن معنى الحماية والمنع من الوقوع في الشر أو الانحراف. فالاعتصام بالله يعني التمسك بدينه والاستمساك بحبله المتين، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ [آل عمران: 101].
وفي مواضع أخرى، جاء ذكر العصمة بمعنى المنع من الوقوع في الفاحشة، كما في موقف يوسف عليه السلام حين قال تعالى: ﴿فَاسْتَعْصَمَ﴾ [يوسف: 32]. ومن خلال تتبع هذه الاستعمالات، يظهر جليًا أن المعنى الشرعي القرآني للعصمة لا يختلف عن معناها اللغوي، بل جاء مطابقًا له تمام المطابقة، مع توسيع دلالته ليشمل كل ما يمنع العبد من السقوط في المهالك الدنيوية والأخروية
اخترنا لكم من مقالات السقيفة:
إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله… وعترتي أهل بيتي
روايات الكافي: مزاعم إضافة أسماء علي والأئمة إلى نصوص القرآن
الروايات الشيعية في النهي عن البناء على القبور (1)3
لقد جاء معنى العصمة في القران الكريم بنفس المعنى اللغوي، فيكون المعنى الشرعي القرآني للعصمة لا يختلف عن المعنى اللغوي.
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [ال عمران: 101].
مقالات السقيفة ذات الصلة:
شبهة (إسبال الثوب) في قوله (وثيابك فطهر)
تفسير قوله تعالى: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ بين الفهم اللغوي ومنهج أهل السنة
استدلال بعض المخالفين بآية: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ على نفي رؤية الله تعالى
قال الامام البغوي:
"﴿وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ﴾ أي: يمتنع بالله ويستمسك بدينه وطاعته" تفسير البغوي - أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي - ج 2 ص 76
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ﴾ [يوسف: 32].
قال الامام البغوي: "اي فامتنع"
تفسير البغوي - أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي - ج 4 ص 238
وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ [يونس: 27].
قال الامام ابن كثير: " أي: من مانع ولا واق يقيهم العذاب "
تفسير ابن كثير - ابو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير - ج 4 ص264
وقال تعالى: ﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ [غافر: 33]، وقال تعالى: ﴿قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ﴾ [هود: 43].
قال العلامة القرطبي: " أي لا مانع "
تفسير القرطبي - ابو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي - ج 9 ص 39
فالمعنى اللغوي للعصمة موافق للمعنى الشرعي في القران الكريم.