يُعدّ موضوع موقف أهل البيت من الصحابة والخلفاء الراشدين من أكثر القضايا التي شوّهها أعداء الإسلام وأعداء الصحابة الكرام. فقد ادّعت الفرق الباطنية والرافضية أن آل البيت كانوا في خصومة وعداوة مع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، بينما الحقيقة – المثبتة في كتب الشيعة أنفسهم – تكشف عكس ذلك تمامًا. فقد كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبناؤه وأحفاده من بعده، في غاية التقدير للخلفاء الراشدين، مقرّين بفضلهم، مادحين لمكانتهم، رافضين لكل من يسبّهم أو يطعن فيهم. هذا المقال يستعرض بالأدلة الواضحة من كتب الشيعة أنفسهم مواقف آل البيت من الصحابة الكرام، داحضًا افتراءات الرافضة، ومبينًا أن محبتهم الحقيقية لأهل البيت لا تنفك عن محبة أصحاب رسول الله ﷺ.
فلقد روى علم الهدى الشيعي في كتابه (الشافي) في الحديث:
(إن علياً عليه السلام قال في خطبته: خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر. وفى بعض الأخبار أنه عليه السلام خطب بذلك بعد ما أنهى عليه أن رجلاً تناول أبا بكر وعمر بالشتيمة، فدعى به وتقدم بعقوبة بعد أن شهدوا عليه بذلك) [(كتاب الشافي) لعلم الهدى، المطبوع مع التلخيص ص428].
هكذا كان حب علي رضي الله عنه لأمير المؤمنين وخليفة المسلمين أبي بكر الصديق ولعبقري الإسلام ومحسن الملة المجيدة عمر الفاروق رضي الله عنهما وأرضاهما عنه، وهذا كان موقفه تجاههما وتجاه المعادي لهما.
وعلى ذلك لما جاءه أبو سفيان رضي الله عنه بعد بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه واجتماع الناس عليه يحرضه على معرضته حسب روايتهم قال رداً عليه: ويحك يا أب سفيان هذه من دواهيك وقد اجتمع الناس على أبي بكر، مازلت تبغي الإسلام عوجاً في الجاهلية) [(كتاب الشافي) لعلم الهدى، المطبوع مع التلخيص ص428].
وأما عثمان فهو الذي أرسل ابنيه للدفاع عنه بعد ما دافع عنه بنفسه المفسدين كما مرّ بيانه تفصيلاً.
وابن عمه وتلميذه الذي علمه من علمه (عليّ علّمني، وكان علمه من رسول الله ….. وعلم عليّ من النبي، وعلمي من علم عليّ) [(الأمالي) للطوسي ج1 ص1 ط نجف].
مقالات السقيفة ذات صلة: |
يقول في مبغضي الصديق بعد ما يبالغ في مدحه (فغضب الله على من ينقصه ويطعن فيه) [(ناسخ التواريخ) للمرزه محمد تقي لسان الملك الشيعي ج5 ص143، (مروج الذهب) ج3 ص60].
وفى مبغضي الفاروق بعد الثناء العاطر عليه: وأعقب الله من ينقصه اللعنة إلى يوم الدين) [(ناسخ التواريخ ج3 ص60].
وفي مبغضي ذي النورين بعد ما ذكر أوصافه الجميلة وأخلاقه الحميدة: فأعقب الله من يلعنه لعنة اللاعنين) [(ناسخ التواريخ) ج3 ص60].
وحفيد علي المرتضى رضي الله عنه وسميّه علي بن الحسين - الإمام الرابع المعصوم لدى القوم - على سنة آبائه يحارب من حاربهم، ويعادي من عاداهم، يبغض من قلاهم، ويخرج من يتبرأ منهم ويتكلم فيهم.
فلقد روى الأربلي الشيعي أن نفراً من أهل العراق قدموا عليه فقالوا في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم:
(فلما فرغوا من كلامهم، قال لهم: ألا تخبروني أنتم (المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون(؟ قالوا: لا، قال: فأنتم ﴿الذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾؟ قالوا: لا، قال: أما أنتم قد تبرأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله فيهم: ﴿والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا﴾ اخرجوا عني فعل الله بكم) [(كشف الغمة) للأربلي ج2 ص78].
وزيد ابنه على شاكلته، نعم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم ورحمته، الذي بالغ القوم في مدحه، وخصصوا أبواباً كثيرة للثناء العاطر عليه في كتبهم، فسلك نفس المسلك الذي خططه أبوه علي بن الحسين وجده علي بن أبي طالب ومن قبلهما محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: دعوا لي أصحابي)
[(عيون أخبار الرضا) للقمي ج2 ص87].
ولقد روى الشيعة:
(وكان أصحاب زيد لما خرج سألوه في أبي بكر وعمر؟ فقال:
ما أقول فيهما إلا الخير، وما سمعته من أهلي فيهما إلا الخير فقالوا: لست بصاحبنا، وتفرقوا عنه ورفضوه، فقال: رفضونا اليوم فسمعوا من ذلك اليوم الرافضة) [(ناسخ التواريخ) ج3 ص590 تحت أقوال زين العابدين، أيضاً (عمدة الطالب) تحت أخبار زيد بن علي].
ويضيف المرزة تقي على ذلك:
إن زيداً منعهم عن الطعن في أصحاب النبي (عليه الصلاة والسلام ورضوان الله عليهم أجمعين) فلما عرفوا منه بأنه لا يتبرأ عن الشيخين (أبي بكر وعمر) رفضوه وتفرقوا عنه، وبعد ذلك استعمل هذه الكلمة في كل من يغلو في المذهب، ويجوّز الطعن في الأصحاب) [(ناسخ التواريخ) ج3 ص590 تحت أقوال زين العابدين].
ثم ومحمد الباقر ابن علي بن الحسين - الإمام الخامس عند القوم - أيضاً يقول بقولهم ويرى رأيهم، ولأجل ذلك يثب على من يتنكر لقب الصديق على أبي بكر رضي الله عنه ويشدد عليه النكير بقوله: نعم الصديق، فمن لم يقل له الصديق فلا صدق الله له قولاً في الدنيا والآخرة) [(كشف الغمة) ج2 ص147 ط تبريز إيران].
ثم وهل يعقل من عليّ وأولاده عليهم الرحمة والرضوان بأنه أو أنهم يكفّرون الصديق والفاروق وذا النورين وقد بايعهم وصلى خلفهم، وعاشرهم أحسن المعاشرة، ورافقهم وصاهرهم، ولم يقاتلهم ولم يجادلهم، وهو، وهو لم يكفّر حتى ولا من جادله وقاتله وقتل من رفاقه وصحبه.
وها هو نهج البلاغة مليء من منعه أصحابه من السب والشتم، والتكفير والتفسيق، وحتى ومقاتليه في حرب صفين، وعنوان الخطبة (ومن كلام له عليه السلام وقد سمع قوماً من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم صفين).
(إني أكره لكم أن تكونوا سبابين ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به) [(نهج البلاغة) تحقيق صبحي ص323].
وذكر مثل ذلك الدينوري الشيعي وصرح بأن الشاتمين كانوا من الذين قتلوا الإمام المظلوم عثمان ذا النورين رضي الله عنه، كما صرح بأنهم لعنوا معاوية وأصحابه، وكان بينهم وبين عليّ سؤال وجواب.
وها هو يذكر القصة بتمامها:
(بلغ علياً (ع) أن حجر بن عدي وعمرو بن الحمق يظهران شتم معاوية ولعن أهل الشام، فأرسل إليهما أن كفا عما يبلغني عنكما، فأتياه فقالا: يا أمير المؤمنين! ألسنا على الحق، وهم على الباطل؟، قال: بلى ورب الكعبة المسدنة! قالوا: فلم تمنعنا من شتمهم ولعنهم؟
قال: كرهت لكم أن تكونوا شتامين، لعانين، ولكن قولوا: اللهم احقن دمائنا ودمائهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم) الخ [(الأخبار الطوال) ص165 تحت وقعة الصفين ط القاهرة].
وهذا هو علي بن أبي طالب الذي لا يرضى أن يشتم أهل الشام، ومحاربه معاوية بن أبي سفيان، ويمنعهم عن ذلك، هل يتوقع منه أنه يرضى بلعن أهل المدينة، مدينة النبي، وشتم أصحاب النبي ورحمائه وأصهاره؟
ثم ولقد صرح بإسلامهم وإيمانهم مع محاربتهم إياه، ومقالته إياهم بأنهم ليسوا بكفره، مرتدين، خارجين عن الإسلام والدين.
كما رواه جعفر عن أبيه (أن علياً عليه السلام كان يقول لأهل حربه إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم، ولم نقاتلهم على التكفير لنا، ولكنا رأينا أنا على حق، ورأوا أنهم على حق) [(قرب الأسناد) للحمير ص45 ط مكتبة نينوى طهران].
ويقول في خطبته أمام أنصاره ومخالفيه:
فلقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن القتل ليدور على الآباء والأبناء، والأخوان والقرابات، فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلا إيماناً، ومضياً على الحق، وتسليماً للأمر، وصبراً على مضض الجراح . ولكنا إنما أصبحنا نقاتل إخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج والشبه والتأويل) [(نهج البلاغة) تحقيق صبحي صالح ص179].
وأصرح من ذلك:
(أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فأنها خير ما تواصى العباد به، وخير عواقب الأمور عند الله، وقد فتح باب الحرب بينكم وبين أهل القبلة) [(نهج البلاغة) ص248].
بل وأكثر من ذلك يجعلهم مساوين له في الإيمان بالله والتصديق بالرسول، وأيضاً يعلن براءته من دم عثمان بن عفان رضي الله عنه فيكتب إلى أهل الأمصار يقصّ فيه ما جرى بينه وبين أهل صفين:
وكان بدأ أمرنا أنا التقينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد، ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان، ونحن منه براء [وما أدري مع هذا كيف اجترأ المجلسي وهو يدعي موالاة أهل البيت واتباع مذهبهم أن يقول: إن أمير المؤمنين علياً يبيح قتله، ولم يكن يرى منه بأساً مع قول عليّ هذا؟ ثم وأكثر من ذلك أن (نهج البلاغة) مليء من أقوال إمامه المعصوم الأول الذي يعده بأنه لا يخطئ – من أقواله هو بأنه بريء من قتل عثمان وقتلته، ومن طالع نهج البلاغة أو قرأه يشهد على ذلك، ولكن من للقوم؟ فإن الحسد أكل قلوبهم، وأعمى أبصارهم، ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور]، فقلنا: تعالوا الخ [(نهج البلاغة) تحقيق صبحي صالح ص448].
فانظر إلى علي رضي الله عنه كم كان عادلاً ومنصفاً،
وانظر إلى القوم كم بعدوا عنه وعن الحق في القول والعمل؟
فهذا هو علي رضي الله تعالى عنه وموقفه من أعدى أعداء الناس بالنسبة له.
فكيف يكون موقفه وموقف أهل بيته من أحب الناس إليه وإليهم خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفاقه، الذين أحبوا أهل البيت، وأهل البيت بادلوهم الكيل بالكيلين والصاع بالصاعين، وتجاه أمهات المؤمنين اللاتي هن أمهاتهم هم أولاً وأصلاً.
ونختم القول في هذا الباب بأن علياً وأهل بيته هل كانوا مؤمنين أم لا؟
فإن كانوا مؤمنين ولا شك في ذلك – فهم داخلون في قول الله عز وجل:
﴿ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم﴾ ) [الأحزاب: 6].
فصارت الصديقة الطاهرة أمهم أي أهل البيت جميعاً بنص القرآن وبحكم خالق الكون والمكان وقضائه.
وعلى هذا يمكن أن يتصور رجل يدعي حب أهل بيت ثم ويسبّ أمهم؟
وهل يقال إنه موال لهم ومحب، ومطاوع لهم ومطيع أم غير ذلك؟
وأما الذي ندريه نحن فإن الشريف والكريم يمكن أن يتغاضى أن يسب ويشتم، ولكنه لا يتغاضى عن أن يمس أحد أمه بسوء خاصة.
وهل شاتمون أمّ عليّ وأهله واللاعنون يظنون أنهم يحسنون صنعاً؟
فذلك كان موقف الشيعة من الصحابة عامة والخلفاء الراشدين خاصة، وهذا هو موقف أهل البيت منهم ومن عاداهم مخالفاً تمام المخالفة من موقف قوم ينسبون أنفسهم إليهم كذباً وزوراً، وخداعاً ونفاقاً.
فالشيعة ليسوا بمحبي أهل البيت ومطاوعين لهم، بل هم معادون لهم ومخالفون، وهذا ما أردنا إثباته في هذا الباب من كتب القوم وعباراتهم هم كي يعرف الحقيقة من لا يعرفه قبل، ويهتدي إلى سواء السبيل.