يُعَدُّ حديث «إن الله خلق آدم على صورته» من الأحاديث التي أثارت جدلاً واسعًا بين أهل العلم عبر القرون، بسبب ما قد يتوهمه البعض من دلالته على التشبيه أو المماثلة بين الخالق والمخلوق. فقد وردت روايات متعددة لهذا الحديث، منها ما جاء في الأدب المفرد للبخاري، وفي مسند أحمد، وفي صحيح مسلم بطرق مختلفة، بعضها بلفظ «على صورته» دون إضافة، وبعضها بلفظ «على صورة الرحمن». وهنا ظهر الخلاف بين المحدثين والمتكلمين: فبينما ذهب بعض السلف إلى إثباته كما جاء مع تنزيه الله عن المماثلة، تعامل معه آخرون بالتأويل أو التضعيف خشية أن يُفهم على غير وجهه.
وقد تناول الحافظ ابن حجر رحمه الله الحديث في فتح الباري وأشار إلى أن ظاهره يعود على المقول له، لا على الخالق سبحانه، في حين ضعّف الشيخ الألباني رواية «على صورة الرحمن» وعدّها منكرة، مبينًا عللها السندية. والحق أن أهل السنة والجماعة يثبتون ما صح من النصوص بلا تعطيل ولا تمثيل، مع الجزم بأن الاشتراك في اللفظ لا يعني المماثلة في الحقيقة، كما أن تشبيه بعض صفات البشر بالقمر لا يعني المساواة به. وفي هذا المقال نتوقف مع أبرز الأسانيد، وأقوال العلماء في صحة الحديث، ومعنى الضمير في قوله صلى الله عليه وسلم: «على صورته» 

 

 

 

وقد أخرج البخاري في (الأدب المفرد):

 

 

 من طريق ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعا: «لا تقولن قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك فإن الله خلق آدم على صورته».

وهو ظاهر في عود الضمير على المقول له ذلك، وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم أيضا من طريق أبي رافع عن أبي هريرة بلفظ: «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورة وجهه» ولم يتعرض النووي لحكم هذا النهي، وظاهره التحريم. ويؤيده حديث سويد بن مقرن الصحابي «أنه رأى رجلا لطم غلامه فقال: أو ما علمت أن الصورة محترمة» أخرجه مسلم وغيره»

(فتح الباري5/183).

قلت: ورواه أحمد في (المسند12/382 حديث7420) وحسنه الألباني في (سلسلة الصحيحة2/544 حديث862) وهو ظاهر في أن الشبه على خلاف المثلية فإن المثلية تقتضي المطابقة وأما التشبيه فلا يقتضي ذلك. فإن أهل الجنة يدخلونها وهم على هيثة القمر فهل يكونون مثل القمر؟ ونحن لنا صفات لا تشبه صفات الله من كل وجه. فإن الله سميع عليم والإنسان سميع عليم. ولا يلزم من هذا القدر المشترك المماثلة من كل وجه.

ولكن؛ هل يقبل الأشاعرة تصحيح الحافظ ابن حجر لحديث (على صورة الرحمن) والتسليم به مع وجه يليق بالله سبحانه؟ أم سوف يركبون أهواءكم؟

وقد حكم الشيخ الألباني على الحديث بأنه منكر وقال:

«رجاله ثقات رجال الشيخين ولكن له أربع علل، ذكر ابن خزيمة ثلاثة منها فقال:

 إحداها: أن الثوري قد خالف الأعمش في إسناده فأرسله الثوري ولم يقل: «عن ابن عمر».

 والثانية: أن الأعمش مدلس لم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت.

 والثالثة: أن حبيب بن أبي ثابت أيضا مدلس لم يعلم أنه سمعه من عطاء ثم قال:

«فمعنى الخبر- إن صح من طريق النقل مسندا - أن ابن آدم خلق على الصورة التي خلقها الرحمن حين صور آدم ثم نفخ فيه الروح».

قلت: والعلة الرابعة: هي جرير بن عبد الحميد فإنه وإن كان ثقة كما تقدم فقد ذكر الذهبي في ترجمته من «الميزان» أن البيهقي ذكر في سننه في ثلاثين حديثا لجرير بن عبد الحميد قال: «قد نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ».

قلت: وإن مما يؤكد ذلك أنه رواه مرة عند ابن أبي عاصم (رقم 518) بلفظ «على صورته». لم يذكر (الرحمن). وهذا الصحيح المحفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم من الطرق الصحيحة عن أبي هريرة والمشار إليها آنفا».

فإذا عرفت هذا فلا فائدة كبرى من قول الهيثمي في (المجمع8/106):

«رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير إسحاق بن إسماعيل الطالقاني وهو ثقة وفيه ضعف». انتهى كلام الشيخ الألباني رحمه الله .