تُعد قصةالغرانيق من أكثر القصص التي أثارت جدلًا في كتب التفسير والسيرة، إذ استغلها المشككون للطعن في مقام النبوة والتشكيك في عصمة الرسول ﷺ. وقد تناولها الأئمة بالنقد والتحليل، فضعّفها المحققون سندًا ومتنًا، وعلى رأسهم الإمام محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، الذي ألّف رسالة خاصة في إبطالها، بيّن فيها علل أسانيدها وما شاب متونها من اضطراب ونكارة لا يليق بمقام النبي ﷺ. ورغم محاولة بعض العلماء كالحافظ ابن حجر تقوية القصة بكثرة طرقها، إلا أن الألباني ردّ ذلك علميًا ببيان أن قاعدة تقوية الحديث بكثرة الطرق ليست على إطلاقها، خصوصًا إذا كان الضعف شديدًا أو ناتجًا عن إرسال وجهالة أو تهمة. وتكمن أهمية هذا الموضوع في ضرورة تنزيه السنة النبوية من الدخيل والموضوع، والتمسك بما صح وثبت منها، صيانةً للعقيدة وحفظًا لمقام الرسالة.

إن قصة الغرانيق من القصص التي لا تصح، وقد بين الامام الالباني هذه القصة سندا، ومتنا، ثم حكم عليها بعدم الصحة.

قال الامام الالباني:

" إن السنة التي لها هذه الأهمية في التشريع إنما هي السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالطرق العلمية والأسانيد الصحيحة المعروفة عند أهل العلم بالحديث ورجاله. وليست هي التي في بطون مختلف الكتب من التفسير والفقه والترغيب والترهيب والرقائق والمواعظ وغيرها فإن فيها كثيرا من الأحاديث الضعيفة والمنكرة والموضوعة وبعضها مما يتبرأ منه الإسلام. مثل حديث هاروت وماروت وقصة الغرانيق ولي رسالة خاصة في إبطالها وهي مطبوعة ".

منزلة السنة في الإسلام محمد ناصر الدين الالباني - ص 20

وقال الالباني في ابطال متن إثر قصة الغرانيق:

" بيان بطلان القصة متنا تلك هي روايات القصة وهي كلها كما رأيت معلة بالإرسال والضعف والجهالة فليس فيها ما يصلح للاحتجاج به لا سيما في مثل هذا الأمر الخطير.

ثم إن مما يؤكد ضعفها بل بطلانها ما فيها من الاختلاف والنكارة مما لا يليق بمقام النبوة والرسالة وإليك البيان:

 أولا: في الروايات كلها أو جلها أن الشيطان تكلم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم بتلك الجملة الباطلة التي تمدح أصنام المشركين "تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى"

 ثانيا: وفي بعضها كالرواية الرابعة: "والمؤمنون مصدقون نبيهم فيما جاء به عن ربهم ولا يتهمونه على خطأ وهم" ففي هذا أن المؤمنين سمعوا ذلك منه صلى الله عليه وسلم ولم يشعروا بأنه من إلقاء الشيطان بل اعتقدوا أنه من وحي الرحمن بينما تقول الرواية السادسة: "ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقى الشيطان" فهذه خلاف تلك

 ثالثا: وفي بعضها كالرواية (1 و4 و7 و9): أن النبي صلى الله عليه وسلم بقي مدة لا يدري أن ذلك من الشيطان حتى قال له جبريل: "معاذ الله لم آتك بهذا هذا من الشيطان"

 رابعا: وفي الرواية الثانية أنه صلى الله عليه وسلم سها حتى قال ذلك فلو كان كذلك أفلا ينتبه من سهوه؟

 خامسا: في الرواية العاشرة الطريق الرابع: أن ذلك ألقي عليه وهو يصلي.

 سادسا: وفي الرواية (4 و5 و9) أنه صلى الله عليه وسلم تمنى أن لا ينزل عليه شيء من الوحي يعيب آلهة المشركين لئلا ينفروا عنه وانظر المقام الرابع من كلام ابن العربي الآتي (ص 50).

 سابعا: وفي الرواية (4 و6 و9) أنه صلى الله عليه وسلم قال عندما أنكر جبريل ذلك عليه " افتريت على الله وقلت على الله ما لم يقل وشركني الشيطان في أمر الله "

 فهذه طامات يجب تنزيه الرسول منها لا سيما هذا الأخير منها فإنه لوكان صحيحا لصدق فيه عليه السلام - وحاشاه - قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) [الحاقة: 44-46]، فثبت مما تقدم بطلان هذه القصة سندا ومتنا. والحمد لله على توفيقه وهدايته "

نصب المجانيق محمد ناصر الدين الالباني - ص 35 36