الردّ على ابن حجر بضعف قصة الغرانيق بتعدد طرقها

من القواعد المشهورة في علم الحديث أن الرواية الضعيفة قد يعتضد بعضها ببعض فتتقوى وتصل إلى درجة الحسن لغيره، غير أن هذه القاعدة ليست مطلقة، بل مقيدة بشروط وضوابط ذكرها كبار المحدثين، وعلى رأسهم الحافظ ابن الصلاح. وفي سياق قصة الغرانيق، ذهب الحافظ ابن حجر إلى أن كثرة طرقها تدل على أن لها أصلًا، غير أن كثيرًا من أهل التحقيق ردوا هذا الاستدلال، وبيّنوا أن ضعف تلك الطرق من النوع الذي لا يزول بتعددها، لأنها مشحونة بالانقطاع، والاضطراب، ورواة متهمين.

الرد على ابن حجر بتقويته الحديث بسبب تعدد طرقه؟

والجواب عن ذلك من وجوه:

أولًا: أن القاعدة التى أشار إليها، وهي تقوية الحديث بكثرة الطرق ليست على إطلاقها، وقد نبّه على ذلك غير واحد من علماء الحديث المحققين، منهم الحافظ أبو عمر بن الصلاح حيث قال رحمه الله في "مقدمة علوم الحديث: ص36- 37": 

"لعل الباحث الفهم يقول: إنا نجد أحاديث محكومًا بضعفها، مع كونها قد رُويَت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة ص -39-مثل حديث: "الأذنان من الرأس"1 ونحوه، فهلاّ جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن لأن بعض ذلك عضد بعضًا كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفًا؟!

وجواب ذلك:

 أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت فمنه ما يزيله ذلك بأن يكون ضعفه ناشئًا من ضعف حفظ راويه، ولم يختلّ فيه ضبطه له، وكذلك إذا كان ضَعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ، إذ فيه ضعف قليل يزول بروايته من وجه آخر2 ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك لقوة الضعف، وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته، وذلك كالضعيف الذي ينشأ من كون الراوي متهمًا بالكذب، أو كون الحديث شاذًّا.

وهذه جملة تفاصيلها تُدرَك بالمباشرة والبحث، فاعلم ذلك فإنه من النفائس العزيزة".

انتهى نقل الالباني هنا في صفحة 39