شبهة تحريف حديث «كتاب الله ونَسَبي»

من أكثر الأحاديث التي دار حولها اللغط بين أهل السنة والشيعة حديث النبي ﷺ: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله وسنتي». فقد جاءت بعض الروايات عبر طرق ضعيفة بلفظ «ونَسَبي» أو «وعترتي»، مما دفع بعض الفرق إلى استغلال هذا الاختلاف لبناء تصورات عقدية خطيرة تُقدِّم النسب والعترة على السنة النبوية. لكن التحقيق الحديثي يكشف أن اللفظ المحفوظ والأصح هو «وسنتي»، إذ رواه مالك في الموطأ مرسلاً، ووصل إسناده ابن عبد البر، وأيده جمع من العلماء كالبيهقي والسيوطي. أما رواية «ونَسَبي» فهي ضعيفة السند، إذ مدارها على صالح بن موسى الطلحي، وهو ضعيف الحديث. كما أن المعنى مخالف للأصول الشرعية؛ إذ الهداية لا تكون بالنسب، وإنما بالوحي والاتباع. فالقرآن الكريم صرّح بأن ذرية الأنبياء منهم الصالح ومنهم الظالم لنفسه، كما في ذرية إبراهيم ونوح عليهما السلام. وهذا المقال يناقش الرواية سندًا ومتنًا، ويكشف كيف استغل بعضهم هذا التحريف لتمرير أفكار مخالفة للأصول، ويؤكد أن الأمة قد أجمعت على التمسك بالكتاب والسنة لا بالنسب وحده.

خَلَّفْتُ فِيكُمْ اثْنَيْنِ... كِتَابَ اللَّهِ وَنَسَبِي:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنِّي خَلَّفْتُ فِيكُمْ اثْنَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا أَبَدًا: كِتَابَ اللَّهِ وَنَسَبِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ».

قَالَ الْهَيْثَمِيُّ: «رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَفِيهِ صَالِحُ بْنُ مُوسَى الطَّلْحِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ» (مَجْمَعُ الزَّوَائِدِ 9/256).

مِنَ الْوَاضِحِ وُقُوعُ تَحْرِيفٍ فِي إِحْدَى نُسَخِ الْمَخْطُوطِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الرِّوَايَةَ جَاءَتْ مِنْ طَرِيقِ الطَّلْحِيِّ وَقَدْ رَوَتْهَا كُتُبُ الْحَدِيثِ كُلُّهَا بِلَفْظِ (وَسُنَّتِي).

 بَلْ قَدْ وَجَدْتُ الْبَزَّارَ يَرْوِيهَا مِنْ نَفْسِ الطَّرِيقِ كَمَا فِي (التَّكْمِلَةِ، مُسْنَدُ الْبَزَّارِ 6/180، حَدِيثٌ رَقْمُ 8993).

 فَكَيْفَ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ بِلَفْظَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدٍ؟ فَيَكُونُ لَفْظُ (وَسُنَّتِي) هُوَ الْأَحْفَظَ.

وَقَدْ رَوَاهَا مَالِكٌ قَبْلَ الْبَزَّارِ بِنَفْسِ السَّنَدِ بِلَفْظِ (وَسُنَّتِي). وَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَّفِقَ الْأُمَّةُ عَلَى بَاطِلٍ، فَقَدْ عَصَمَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ.

ثُمَّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ الْهُدَى فِي النَّسَبِ فَقَطْ. وَقَدْ قَالَ عَنْ نَسَبِ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾ (الصَّافَّات: 113).

وَكَانَ وَلَدُ النَّبِيِّ نُوحٍ كَافِرًا. وَعِنْدَ الشِّيعَةِ جَعْفَرٌ الْكَذَّابُ، وَهُوَ أَخُو الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيِّ، وَقَدْ رَوَوْا أَنَّهُ كَانَ خَمَّارًا يُعَاقِرُ الْخَمْرَةَ.

وَقَدْ حَكَى الشِّيعَةُ تَوَاتُرَ الرِّوَايَةِ عَنْ نَسَبِ النَّبِيِّ أَنَّ الْقُرْآنَ نَاقِصٌ مُغَيَّرٌ.