من أبرز القضايا التي يثيرها بعض الباحثين والخصوم مسألة منع تدوين السنة النبوية في عهد الخلفاء الراشدين، وعلى رأسها ما نُسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أراد أن يكتب السنة ثم تراجع، بل وأمر بمحو ما كُتب منها. ويستند القائلون بذلك إلى روايات مروية في المصادر القديمة، منها ما ذكره ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله. غير أن المحدثين والنقاد ومنهم العلامة عبد الرحمن المعلمي ناقشوا هذه الروايات من حيث السند والمتن، وبينوا ما فيها من انقطاع ونكارة، وأنها لا تصلح لإثبات دعوى منع تدوين السنة على إطلاقها. هذا المقال يستعرض الرواية، ثم يبين أقوال أهل العلم حولها، ليكشف أن الموقف من تدوين السنة كان أوسع وأعمق من مجرد رواية منقطعة.

قال ابن عبد البر:

" 345 - أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَحْيَى، نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، نا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ السُّنَّةَ، ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَكْتُبَهَا، ثُمَّ كَتَبَ فِي الْأَمْصَارِ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَلْيَمْحُهُ "

جامع بيان العلم وفضله يوسف بن عبد الله بن عبد البر ج 1 ص 132

وهذا الاثر منقطع فان يحيى بن جعدة لم يدرك عمر رضي الله عنه.

قال العلامة المعلمي:

 

 " قال أبو رية ((وعن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له ألا يكتبها، ثم كتب إلى الأمصار من كان عنده شيء فليمحه)).

أقول: وهذا منقطع أيضاً، يحيى بن جعدة لم يدرك عمر، عروة أقدم منه وأعلم جداً، وزيادة يحيى منكرة، لوكتب عمر إلى الأمصار لاشتهر ذلك، وعنده علي وصحيفته، وعند عبد الله بن عمرو صحيفة كبيرة مشهورة"

الانوار الكاشفة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي ج 1 ص 39

[random_related_posts]