الأمثال النبوية في أحاديث «الشعرة في الثور» و«اللبنة»

جاءت السنة النبوية المشرفة حافلة بالأمثال البليغة والصور البيانية العميقة التي تقرّب المعاني العقدية والشرعية إلى الأذهان، وتوضح حقائق الدين بأسلوب مؤثر راسخ. ومن أبرز هذه الأمثال ما ضربه النبي ﷺ لأصحابه في بيان قلة عدد المسلمين بالنسبة إلى غيرهم من الأمم، وتشريفه ﷺ بكونه خاتم النبيين، من خلال حديث «الشعرة في الثور» وحديث «اللبنة» اللذين نقلهما الأئمة الثقات واعتنى بهما الشراح كالإمام النووي وابن حجر العسقلاني. ويكشف التأمل في هذين الحديثين عن مكانة الأمة المحمدية رغم قلة عددها، وعن عظمة خاتمية النبي ﷺ وتمام كمال الشريعة التي بُعث بها.

الرواية:

 376- (221) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟» قَالَ: فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ؟» قَالَ: فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، مَا الْمُسْلِمُونَ فِي الْكُفَّارِ إِلَّا كَشَعْرَةٍ بَيْضَاءَ فِي ثَوْرٍ أَسْوَدَ، أَوْ كَشَعْرَةٍ سَوْدَاءَ فِي ثَوْرٍ أَبْيَضَ» صحيح مسلم.

 اخترنا لكم:

(كَشَعْرَةٍ بَيْضَاءَ فِي ثَوْرٍ أَسْوَدَ أَوْ كَشَعْرَةٍ سَوْدَاءَ فِي ثَوْرٍ أَبْيَضَ) هَذَا شك من الراوي.

شرح النووي على صحيح مسلم ج 3 ص 95

(إلا كشعرة بيضاء في ثور أسود) في الوراية الثانية "أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الاحمر".

 قال ابن التين: أطلق الشعرة، وليس المراد حقيقة الوحدة، لأنه لا يكون ثور ليس في جلده غير شعرة واحدة من غير لونه. فالكلام كناية عن قلة المسلمين عددا بالنسبة لغيرهم من الامم.

 من مقالات السقيفة:

اللبنة:

[2287] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي إِلَى قَوْلِهِ فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ) فِيهِ فَضِيلَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَجَوَازُ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ فِي الْعِلْمِ وغيره واللبنة بفتح اللام)

شرح النووي على مسلم ج 15 ص 51

5353- حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ عبْدِ الله بنِ دِينارٍ عنْ أبِي صالِحٍ عنْ أبي هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إنَّ مَثَلِي ومثَلَ الأنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتَاً فأحْسَنَهُ وأجْمَلَهُ إلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ فجَعَلَ النَّاسَ يَطُوفُونَ بِهِ ويَعْجَبُونَ لَهُ ويَقُولُونَ هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ قَالَ فَأَنا اللَّبِنَةُ وأنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ.

قَوْله: (من زَاوِيَة)، قَالَ الدَّاودِيّ: هِيَ الرُّكْن، وَفِي رِوَايَة همام عِنْد مُسلم: إلاَّ مَوضِع لبنة من زَاوِيَة من زواياها فَظهر أَن المُرَاد أَنَّهَا مكملة محسنة وإلاَّ لاستلزم أَن يكون الْأَمر بِدُونِهَا نَاقِصا وَلَيْسَ كَذَلِك، فَإِن شَرِيعَة كل نَبِي بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَامِلَة، فَالْمُرَاد مِنْهُ هُنَا النّظر إِلَى الْأَكْمَل بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّرِيعَة المحمدية مَعَ مَا خص بِهِ من الشَّرَائِع.

وَفِيه: ضرب الْأَمْثَال للتقريب للأفهام، وَفضل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على سَائِر الْأَنْبِيَاء، وَأَن الله ختم بِهِ الْمُرْسلين وأكمل بِهِ شرائع الدّين.

عمدة القاري شرح صحيح البخاري ج 16 ص 98

مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي إِلَى قَوْلِهِ فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ.