الشيخ المفيد (ت 413هـ)، شيخ الطائفة وأستاذ أبي جعفر الطوسي، يُعد من كبار فقهاء الشيعة الاثني عشرية، وقد نُقل عنه أن الإمام المهدي خاطبه في كتابين بلقب "الأخ السديد" و"الناصر للحق"، مما رفع من مكانته لدى الشيعة وجعل أقواله ذات تأثير كبير في الفقه والعقيدة.
أقوال الشيخ المفيد في حكم الخمس زمن الغيبة:
في كتابه المقنعة (ص 46)، يعرض الشيخ المفيد أربعة آراء متباينة لأصحاب المذهب الشيعي حول الخمس في عصر الغيبة الكبرى، ويقول:
"قد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك عند الغيبة، وذهب كل فريق إلى مقال:
• فمنهم من يسقط إخراجه لغيبة الإمام وما ورد من الرخص في الأخبار.
• ومنهم من يوجب كنزه وتأويل الحديث الوارد بأن الأرض تُخرج كنوزها عند ظهور الإمام.
• ومنهم من يرى جواز صرفه على الذرية وفقراء الشيعة استصحاباً للحكم السابق.
وآخرون يرون عزله وصرفه عند ظهور الإمام، أو الوصية به إلى ثقة لحين ظهوره، وهكذا جيلاً بعد جيل."
ثم يعلّق المفيد قائلاً إن القول الأخير هو "أوضح" الأقوال من حيث سلامته العقلية، لأنه ينظر إلى الخمس كـ"حق لغائب لم يُحدد الإمام قبل غيبته طريقة تصرف واضحة فيه"، ويرى أنه يجب حفظه كوديعة حتى يعود الإمام.
ملاحظات نقدية على أقوال المفيد:
من خلال تحليل كلام الشيخ المفيد، يتضح ما يلي:
- القول الوحيد الذي يستند إلى الأخبار الواردة عن الأئمة هو القول بإسقاط الخمس في زمن الغيبة.
- باقي الأقوال لا تستند إلى نصوص واضحة، بل تعتمد على تأويلات عقلية أو اجتهادات غير منصوص عليها.
- الشيخ المفيد يقر بعدم وجود نص صريح عن الإمام المهدي أو غيره من الأئمة في كيفية التصرف في الخمس زمن الغيبة.
الفقهاء أو السادة لا ذكر لهم مطلقًا في هذه الأقوال، مما يعني أنهم لم يكونوا يُعتبرون وكلاء عن الإمام في قبض الخمس أو التصرف به، وهذا خلاف ما عليه الفقهاء المتأخرون.
كما أشار الباحث أحمد الكاتب في كتابه تطور الفكر السياسي الشيعي (ص 306)، فإن كلام المفيد يعكس الحيرة والغموض الكبير في موضوع الخمس في زمن الغيبة الكبرى.
مفارقة مثيرة:
الغريب أن الشيخ المفيد رغم اعترافه بعدم وجود نصوص صريحة، ينقل القول الأول الذي ينص على سقوط الخمس، ويشير إلى أن هذا القول مستند إلى أخبار عن الأئمة، فكيف يُقال بعدم وجود نصوص؟! هذا يُظهر التناقض في تناول المسألة، ويؤكد أن الخلاف لم يُحسم بنص قطعي بل باجتهادات متضاربة.