من المسائل الدقيقة التي يكثر حولها البحث في علم الحديث وعلوم العقيدة: روايات الورود على النار، وما تضمنته بعض الطرق من وصف الضحك لله سبحانه وتعالى «حتى تبدو لهواته وأضراسه». فقد أورد الإمام الطبري في جامع البيان بإسناده من طريق ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، هذا الحديث، وفيه ذكر الضحك. غير أن ابن لهيعة قد تكلم فيه النقاد، وكثر الجرح والتعديل حول رواياته، فوقع النزاع:

هل يقبل هذا الإسناد أم يرد؟ وهل تُثبت هذه الزيادة أو تعد شاذة ومنكرة؟

اخترنا لكم:

 وقد تفرعت عن هذا البحث مسألة عقدية كبرى، وهي التعامل مع الصفات الخبرية التي جاءت في النصوص: هل تثبت كما وردت بلا تكييف ولا تمثيل؟ أم تحمل على معانٍ مجازية كما ذهب إليه بعض المتأخرين؟

إن دراسة هذا الحديث ورواياته، مع استعراض أقوال الأئمة النقاد، تسلط الضوء على منهج أهل السنة والجماعة في الجمع بين احترام النصوص وعدم ردها، وبين التثبت من صحة الأسانيد، وهو ما يكشف عن دقة علماء السلف في ميدان الرواية والدراية معاً.

الطبري - جامع البيان - سورة مريم:

 21775 - حدثني: أحمد بن عيسى، قال: ثنا: سعيد بن كثير بن عفير، قال: ثنا: ابن لهيعة، عن أبي الزبير، قال: سألت جابر بن عبد الله عن الورود، فقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: هو الدخول، يردون النار حتى يخرجوا منها، فآخر من يبقى رجل على الصراط يزحف، فيرفع الله له شجرة، قال: فيقول: أي رب أدنني منها، قال: فيدنيه الله تبارك وتعالى منها، قال: ثم يقول: أي رب أدخلني الجنة، قال: فيقول: سل، قال: فيسأل، قال: فيقول ذلك لك وعشرة أضعافه أو نحوها، قال: فيقول: يا رب تستهزئ بي؟، قال: فيضحك حتى تبدو لهواته وأضراسه.

 415 - عبد الله بن لَهِيعَة د ت ق الكلام فيه كثير فاش جرحاً وتعديلاً والعمل على تضعيف حديثه ساق الذهبي في ترجمته كلاماً كثيراً ومنه ما قاله ابن حبان: سبرت أخباره في رواية المتقدمين والمتأخرين عنه فرأيت التخليط في رواية المتأخرين موجوداً، وأما الأصل له في رواية المتقدمين كثيراً فرجعت إلى الاعتبار فرأيته كان يدلس عن أقوام ضعفاء على أقوام رآهم ابن لهيعة ثقات فألزق تلك الموضوعات بهم فصريح هذا أنه ليس هو واضعها لكن ذكر الذهبي في ميزانه حدثنا حرملة ثنا ابن وهب عنه عن عبيد الله بن أبي جعفر عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه أدعو أخي إلى أن قال فدعي له علي فستره وأكب عليه فلما خرج من عنده قيل له ما قال لك قال علمني ألف باب كل باب يفتح ألف باب قلت كامل صدوق قال ابن عدي لعل البلاء فيه من ابن لهيعة فإنه مفرط في التشيع انتهى وهذا يقتضي أن يكون افتعله والله أعلم.

416 - عبد الله بن مسلم بن رشيد ذكره ابن حبان متهماً بوضع الحديث قال حدثنا عنه جماعة يضع على ليث ومالك وابن لهيعة لا يحل كتب حديثه.

الكشف الحثيث 1/160

فقد أخرجه الدارقطني رحمه الله تعالى من رواية ابن لهيعة – وقد ضعفه الجمهور.

اخترنا لكم:

120 سؤال وجواب في مصطلح الحديث وعلومه للشيخ العلامة حافظ احمد الحكمي ص 21

4530 - عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي [د، ت، ق]، أبو عبد الرحمن قاضي مصر وعالمها، ويقال الغافقي.

أدرك الأعرج، وعمرو بن شعيب، والكبار.

قال ابن معين: ضعيف لا يحتج به.

الحميدي، عن يحيى بن سعيد - أنه كان لا يراه شيئاً.

نعيم بن حماد، سمعت ابن مهدي يقول: ما أعتد بشيء سمعته من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه.

ابن المديني، عن ابن مهدي، قال: لا أحمل عن ابن لهيعة شيئاً.

وقد كتب إلى كتاباً فيه: حدثنا عمرو بن شعيب، فقرأته على ابن المبارك، فأخرجه ابن المبارك من كتابه.

قال أخبرني إسحاق بن أبي فروة عن عمرو بن شعيب.

قال يحيى بن بكير: احترق منزل ابن لهيعة وكتبه سنة سبعين ومائة.

وقال عثمان بن صالح: ما احترقت كتبه، ما كتبت من كتاب عمارة بن غزية إلا من أصل ابن لهيعة بعد احتراق داره، غير أن بعض ما كان يقرأ منه احترق، ولا أعلم أحداً أخبر بسبب علة ابن لهيعة مني، أقبلت أنا وعثمان بن عتيق بعد الجمعة، فوافينا ابن لهيعة أمامنا على حمار، فأفلج وسقط، فبدر ابن عتيق إليه فأجلسه، وصرنا به إلى منزله، وكان ذلك أول سبب علته.

رواها العقيلي، حدثنا يحيى بن عثمان، عن أبيه.

وقال أحمد: كان ابن لهيعة كتب عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، فكان بعد يحدث بها عن عمرو نفسه.

خالد بن خداش، قال: رآني ابن وهب لا أكتب حديث ابن لهيعة، فقال: إني لست كغيري في ابن لهيعة، فاكتبها.

وقال لي في حديث عقبة بن عمرو: «لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار»، ما رفعه لنا ابن لهيعة قط في أول عمره.

أحمد بن محمد الحضرمي، سألت ابن معين عن ابن لهيعة، فقال: ليس بقوي.

معاوية بن صالح، سمعت يحيى يقول: ابن لهيعة ضعيف.

قال يحيى بن سعيد: قال لي بشر بن السري: لو رأيت ابن لهيعة لم تحمل عنه حرفاً.

وقال ابن معين: هو ضعيف قبل أن تحترق كتبه وبعد احتراقها.

وقال الفلاس: من كتب عنه قبل احتراقها مثل ابن المبارك والمقرئ [فسماعه] (1) أصح.

وقال أبو زرعة: سماع الأوائل والأواخر منه سواء، إلا أن ابن المبارك، وابن وهب كانا يتبعان أصوله، وليس ممن يحتج به.

وقال النسائي: ضعيف.

وقال ابن وهب: كان / ابن لهيعة صادقاً.

[72 / 3] وقال أبو حاتم: سمعت ابن أبي مريم يقول: حضرت ابن لهيعة في آخر عمره، وقوم بربر يقرءون عليه من حديث منصور، والأعمش، والعراقيين، فقلت له: يا أبا عبد الرحمن، ليس هذا من حديثك، قال: بلى، هذه أحاديث قد مرت على مسامعي.

فلم أكتب عنه بعدها، يقول: يكون قد رواها وجادة.

وقال أحمد بن زهير، عن يحيى: ليس حديثه بذاك القوي.

وقال أبو زرعة، وأبو حاتم: أمره مضطرب، يكتب حديثه للاعتبار.

وقال الجوزجاني: لا نور على حديثه، ولا ينبغي أن يحتج به.

وقال أبو سعيد بن يونس:

قال النسائي يوماً: ما أخرجت من حديث ابن لهيعة قط إلا حديثاً واحداً أخبرناه هلال بن العلاء، حدثنا معافى بن سليمان، عن موسى ابن أعين، عن عمرو بن الحارث، عن ابن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة ابن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: في الحج سجدتان.

وقال ابن وهب: حدثني الصادق البار - والله - عبد الله بن لهيعة.

وقال أحمد: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه! حدثني إسحاق بن عيسى أنه لقى ابن لهيعة سنة أربع وستين ومائة، وأن كتبه احترقت سنة تسع وستين.

وقال أحمد بن صالح: كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلاباً للعلم.

وقال زيد ابن الحباب: سمعت سفيان يقول: كان عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع.

وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: ما كان محدث مصر إلا ابن لهيعة.

وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول:

ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيراً مما أكتب لأعتبر به ويقوى بعضه بعضاً.

ميزان الاعتدال 2/103 أيضاً راجع تهذيب التهذيب 2/43 الكامل في ضعفاء الرجال 2/450

الدارقطني - الرؤية - ذكر الرواية عن جابر:

 46 - حدثنا: أبو بكر النيسابوري، حدثني: عبد الله بن أحمد بن حنبل (رضي الله عنه)، حدثني: أبي، حدثنا: روح، حدثنا: ابن جريج، أخبرني: أبو الزبير، أنه سمع جابراً، يسأل عن الورود؟، فقال: نحن يوم القيامة على كذا وكذا انظر - أي ذلك فوق الناس - قال: فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا عز وجل بعد ذلك، فيقول: من تنتظرون؟ فنقول: ننتظر ربنا عز وجل، فيقول عز وجل: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم تبارك وتعالى يضحك سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول: حتى تبدو لهاته، وأضراسه قال: فينطلق بهم ويتبعونه، ويعطي كل إنسان منهم منافق أو مؤمن نوراً، ثم يتبعونه على جسر جهنم وعليه كلاليب، وحسك تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور المنافقين، ثم ينجو المؤمنون، فينجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفاً لا يحاسبون ثم الذين يلونهم كأضواء نجم في السماء، ثم كذلك، ثم تحل الشفاعة حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وكان في قلبه من خير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ثم يسأل حتى يجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها.

 2751 - "نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس، فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد،

الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول: ما تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك، فيتبعونه".

أخرجه أحمد (3 / 345) والدارمي في "الرد على الجهمية" (ص 58) من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير قال: سألت جابراً رضي الله عنه عن الورود؟

فأخبرني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات غير ابن لهيعة، فإنه قد ضعف من قبل حفظه، ولكن هذا الحديث مما حفظه، لأنه قد تابعه عليه ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله به، إلا أنه لم يصرح برفعه، لكن له حكم الرفع كما هو ظاهر، لاسيما وقد صرح برفعه في بعض الطرق عنه، وفي غيرها كما يأتي.

وقد رواه عنه ثلاثة من الثقات:

الأول: أبو عاصم - وهو الضحاك بن مخلد النبيل، ثقة ثبت - قال: حدثنا ابن جريج به موقوفاً، لكنه قال في آخره: "قال: فيتجلى لهم - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - يضحك".

من مقالات السقيفة:

أخرجه أبو عوانة في "صحيحه" (1 / 139). وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات.

الثاني: حجاج بن محمد عن ابن جريج به موقوفاً. أخرجه أبو عوانة، وعبد الله بن أحمد في "السنة" (ص 48) بإسنادهما الصحيح عنه. الثالث: روح بن عبادة، ورواه عنه جمع: أولهم: الإمام أحمد، فقال: حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج به.

أخرجه في "المسند" (3 / 383) وفي "السنة" (ص 47) ومن طريقه ابن منده في "الإيمان" (3 / 802 - 803) وابن أبي عاصم في "السنة" (47 - 48) واللالكائي في "الشرح" (3 / 482 / 835). وثانيهم: إسحاق بن منصور - وهو ابن بهرام - من تلامذة الإمام أحمد، وهو ثقة من رجال الشيخين، فقال مسلم في "صحيحه" (1 / 122): حدثني عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن منصور كلاهما عن روح به.

وثالثهم: عبيد الله بن سعيد - وهو اليشكري - ثقة مأمون. أخرجه مسلم في رواية مسلم المذكورة آنفاً. وثلاثتهم اتفقوا على قوله: "فيتجلى لهم يضحك"، لكن اختلف فيه على إسحاق بن منصور، فرواه مسلم عنه هكذا وتابعه محمد بن نعيم ومحمد بن شاذان قالا: حدثنا إسحاق بن منصور به. أخرجه ابن منده (3 / 804) من طريق محمد بن يعقوب الشيباني عنهما. والشيباني هذا هو ابن الأخرم، وهو ثقة حافظ مترجم في "تذكرة الحفاظ" وغيره.

وخالفه علي بن محمد عن محمد بن نعيم: حدثنا إسحاق بن منصور به، إلا أنه زاد: "وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حتى تبدو لهواته وأضراسه". أخرجه ابن منده عقب رواية ابن الخرم، وقال: "ولم يذكر من تقدم هذا".

قلت: يشير إلى أن هذه الزيادة منكرة أو شاذة على الأقل لتفرد علي بن محمد بها، وهو علي بن محمد بن نصر، فإنه فيه بعض اللين كما في "تاريخ بغداد" (12 / 76) و "الميزان" لاسيما وقد زادها على الحافظ ابن الأخرم، وقد أشار صاحبنا الدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي في تعليقه على "الإيمان" إلى تفرد علي بن محمد بن نصر هذا بهذه الزيادة، وإلى ما فيه من اللين، ولكنه قد فاته أنه قد توبع، فقال أبو عوانة (1 / 139): وحدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل وأحمد أخي قالا: حدثنا إسحاق بن منصور به، إلا أنه قال: "أو أضراسه". قلت: أحمد أخو أبي عوانة لم أعرفه، لكن عبد الله بن أحمد بن حنبل ثقة مشهور، وبذلك تبرأ ذمة ابن نصر من مسؤولية هذه الزيادة، ويتبين أنها محفوظة عن إسحاق بن منصور، برواية عبد الله بن أحمد وقرينه عنه، لكن ذلك مما لا يجعل النفس تطمئن لكونها محفوظة في الحديث، وذلك لما يأتي:

 أولاً: أن مسلماً رواه عن إسحاق بدون الزيادة كما تقدم.

ثانياً: أنه قد خالفه الإمام أحمد وعبيد الله بن سعيد فروياه عن روح بن عبادة دون الزيادة كما سبق، واثنان أحفظ من واحد، لاسيما وأحدهما أحمد، وهو جبل في الحفظ، وبخاصة أن إسحاق قد وافقهما في رواية مسلم عنه.

ثالثاً: أننا لو سلمنا أن إسحاق قد حفظها عن روح بن عبادة، ولم تكن وهماً منه عليه، فإن مما لا شك فيه، أن رواية من رواه عن روح بدونها أرجح، لموافقتها لرواية الثقتين الأولين أبي عاصم وحجاج بن محمد الخالية من الزيادة.

رابعاً: أنني وجدت للحديث طريقاً أخرى عن جابر فيها بيان أن هذه الزيادة موقوفة منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم من فعله، فقد أخرج الآجري في " الشريعة " (ص 282) من طريق وهب بن منبه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الورود قال: "فيتجلى لهم ربهم عز وجل يضحك".

قال جابر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك حتى تبدو لهواته.

 قلت: وإسناده حسن، وفيه بيان خطأ رواية من روى عن إسحاق رفع بدو اللهوات، وأن الصواب فيه الوقف يقيناً. والله سبحانه وتعالى أعلم. هذا وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة نحوه مضى تخريجه برقم (756) ولجملة تجليه تعالى ضاحكاً شواهد، منها عن أبي موسى الأشعري تقدم أيضاً برقم (755). وقد أخرجها الدارقطني في

"النزول" (48 / 33) من طريق يحيى بن إسحاق أبي زكريا السيلحيني: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير بسنده المتقدم. ويحيى هذا قال الحافظ: (2 / 420): "

هو من قدماء أصحاب ابن لهيعة". سلسلة الأحاديث الصحيحة للإمام الألباني ج 6 ص 576