"حديث الأوعال بين نقد المحدثين واستغلال الرافضة

هل تدرون بُعد ما بين السماء والأرض؟ (حديث الأوعال)

يُعد حديث الأوعال من الأحاديث التي أثارت جدلًا واسعًا بين المحدثين وأهل العقيدة؛ لما تضمنه من أوصاف عن المسافة بين السماء والأرض، وحمل العرش، والوعول التي ذُكرت فيه. وقد تناقلته كتب السنن والمسانيد، لكن العلماء اختلفوا في تصحيحه وتضعيفه، حيث رأى جمع من الأئمة أن الحديث ضعيف أو منكر الإسناد، بينما ذهب آخرون إلى تقويته أو إثباته في باب العقيدة. ومع ذلك، فقد استغلّ الشيعة هذا الحديث في بناء تصورات عقدية مرتبطة بالكرسي والعرش وحملته، معتمدين على روايات في تفاسيرهم مثل تفسير القمي والبحراني والمجلسي. وفي هذا المقال نتناول الحديث من حيث سنده ومتنِه، ونكشف موقف المحدثين وأهل السنة منه، إضافةً إلى بيان استغلال الرافضة له في تكريس معتقداتهم.

اخترنا لكم:

عن أبي داود، ثنا محمد بن الصباح، ثنا الوليد بن أبي ثور، عن سماك، عن ابن عميرة، عن الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب قال:

«كنت في البطحاء في عصابة فيهم رسول الله ﷺ، فمرّت بهم سحابة، فنظر إليها فقال: "ما تسمّون هذه؟" قالوا: السحاب.

 قال: "والمُزن؟" قالوا: والمُزن. قال: "والعَنان؟" قالوا: والعَنان.

قال: "هل تدرون بُعد ما بين السماء والأرض؟" قالوا: لا ندري. قال: "إن بعد ما بينهما إمّا واحدة وإمّا اثنتان وإمّا ثلاث وسبعون سنة. ثم السماء فوق ذلك حتى عدّ سبع سماوات. ثم فوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء. ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء. ثم على ظهورهم العرش، أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء. ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك"».

رواه أبو داود (4724/1725)، والترمذي (3310)، وابن ماجه (193) من حديث سماك بن حرب به، وقال الترمذي: "حسن غريب".

والغرابة عند الترمذي إشارة إلى الضعف. وقوله "حسن" يُفهم منه أنه حسن عند قوم. وقد أكّد الحافظ بأن الترمذي «إذا وصف حديثًا بالحسن فلا يلزم عنده أن يُحتج له، ودليل ذلك أنه أخرج حديثًا من طريق خيثمة البصري عن الحسن عن عمران بن حصين، ثم قال بعده: "هذا حديث حسن وليس إسناده بذاك"» (النكت على ابن الصلاح 1/402، توضيح الأفكار 1/179).

غير أن الشيعة يسكتون عن قول الترمذي "غريب"، ويكتفون بقول الترمذي "حسن"، تدليسًا وتمويهًا. وقال الأرناؤوط: «ضعيف جدًّا» (1/241 ح1770). وقال الذهبي: «التوحيد: تفرّد به سماك عن عبد الله، وعبد الله فيه جهالة، ويحيى بن العلاء متروك الحديث، وقد رواه إبراهيم بن طهمان عن سماك، وإبراهيم ثقة» (العلو للذهبي ص60).

من مقالات السقيفة:

ورواه الحاكم في (المستدرك 2/410 ح3137) وصححه، وتعقّبه الذهبي فقال: «يحيى واه»، غير أن الذهبي وَهِم عند تكرار الحديث مرة أخرى فقال: «وقد مر وهو صحيح»، مع أنه جاء من نفس طريق يحيى (المستدرك 2/543 ح3428). فهذا وَهْم واضح استغله الرافضة أمثال حسين المعتوق.

وقد حكم الألباني على الرواية بالضعف، كما في (سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم 1247، ضعيف سنن أبي داود رقم 1014، ضعيف ابن ماجه ح34، ضعيف سنن الترمذي ح654، شرح الطحاوية ص294). وابن عميرة مجهول، ولا يُعرف له سماع من الأحنف، كما أفاد البخاري عن أبي نعيم (ميزان الاعتدال 5/159).

حديث الأوعال من كتب الرافضة:

وقد نقل المجلسي عن الطبرسي أقوالًا في الكرسي، رابعها: «أن الكرسي سرير دون العرش. وقد روي عن أبي عبد الله، وقريب منه ما روي عن عطاء، أنه قال: ما السماوات والأرض عند الكرسي إلا كحلقة خاتم في فلاة، وما الكرسي عند العرش إلا كحلقة في فلاة. ومنهم من قال: إن السماوات والأرض جميعًا على الكرسي، والكرسي تحت العرش كالعرش فوق السماء».

وأضاف: وروى الأصبغ بن نباتة أن عليًّا قال: «إن السماوات والأرض وما فيهما من مخلوق في جوف الكرسي، وله أربعة أملاك يحملونه بإذن الله، ملك منهم في صورة الآدميين، وهي أكرم الصور على الله، وهو يدعو الله ويتضرع إليه ويطلب الشفاعة والرزق للآدميين. والملك الثاني في صورة الثور، وهو سيد البهائم، يدعو الله ويتضرع إليه، ويطلب الشفاعة والرزق للبهائم. والملك الثالث في صورة النسر، وهو سيد الطيور، وهو يدعو الله ويتضرع إليه، ويطلب الشفاعة والرزق لجميع الطيور. والملك الرابع في صورة الأسد، وهو سيد السباع، وهو يدعو الله ويتضرع إليه، ويطلب الشفاعة والرزق لجميع السباع. قال: ولم يكن في جميع الصور صورة أحسن من الثور، ولا أشد انتصابًا منه، حتى اتخذ الملأ من بني إسرائيل العجل وعبدوه، فخفض الملك الذي في صورة الثور رأسه استحياءً من الله أن عبدوا من دون الله بشيء يشبهه، وتخوّف أن يُنزل الله به العذاب» (تفسير القمي، البرهان في تفسير القرآن 2/257، هاشم الحسيني البحراني، بحار الأنوار 55/21 و33 و61/140، مجمع البيان 2/160، مسند الإمام علي 30/2، حسن القبانجي، إعداد مركز الأبحاث العقائدية، منهاج البراعة 4/396 للراوندي).

والوعل هو التيس:

 والذين يحملون عرش الله عند القمي أربعة ملائكة على هيئة إنسان وثور ونسر وأسد. وبما أن الرواية وردت في تفسير القمي فهي معتمدة ومعتبرة عند الرافضة.

قال ابن تيمية: «رواه إمام الأئمة ابن خزيمة في كتاب التوحيد الذي اشترط فيه أنه لا يحتج فيه إلا بما نقله العدل عن العدل موصولًا إلى النبي ﷺ. قلتُ: والإثبات مقدم على النفي، والبخاري إنما نفى معرفة سماعه من الأحنف، لم ينفِ معرفة الناس بهذا. فإذا عرف غيره - كإمام الأئمة ابن خزيمة - ما ثبت به الإسناد: كانت معرفته وإثباته مقدمًا على نفي غيره وعدم معرفته» (مجموع الفتاوى 3/192).