تُعد قضية الصفات الإلهية من أعقد القضايا العقدية التي اختلف حولها المسلمون، ولا سيما في باب الصفات الخبرية التي وردت في النصوص الشرعية. ومن أبرز ما أثير في هذا السياق: ما نُقل عن محمد بن كعب القرظي في قوله: «إذا سمع الناس القرآن من في الرحمن يوم القيامة فكأنهم لم يسمعوه قبل ذلك». وقد ورد هذا الأثر في بعض المصادر الحديثية، كـ«كتاب السنة» لأحمد بن سلمان النجاد، وأخرجه غيره بأسانيد متقاربة. غير أن هذه الرواية أثارت جدلاً حول دلالتها وصحتها؛ إذ ذهب بعض المتأخرين إلى أن ظاهرها يُثبت صفة «الفم» لله تعالى، كما تثبت اليد والوجه والعين. بينما تعقبها المحققون من أهل الحديث ببيان ضعفها سندًا، واستحالة الاحتجاج بها في باب العقائد.

من مقالات السقيفة:

هذا المقال يسلط الضوء على حقيقة هذه الرواية من جهتي الإسناد والمتن، مع عرض أقوال المحققين كالإمام محمد بن حمد الحمود النجدي في «إبطال التأويلات»، وبيان أنها لا ترقى إلى درجة الاحتجاج، بل حكم عليها بالضعف الشديد، وأنها موقوفة على تابعي لا تثبت بمثله الصفات. كما نوضح كيف تعامل علماء العقيدة مع مثل هذه الروايات، وكيف أن منهج أهل السنة يقوم على الجمع بين النصوص الصحيحة ورد الضعيف أو الباطل، مع الالتزام بالقاعدة الذهبية: إثبات ما أثبته الله لنفسه، من غير تكييف ولا تمثيل، ونفي ما لم يثبته بدليل صحيح.

362 - رواه أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد في السنة، عن عبد الله بن أحمد قال: نا معمر، قال: نا وكيع، عن موسى بن عبيد، عن محمد بن كعب، قال: كأن الناس إذا سمعوا القرآن من في الرحمن عز وجل يوم القيامة، فكأنهم لم يسمعوه قبل ذلك[1].

اخترنا لكم:

363 - وناه أبو محمد الحسن بن محمد، قال: نا عمر بن أحمد بن عثمان، قال: نا محمد بن هارون بن حميد، قال: نا عثمان بن أبي شيبة، قال: نا وكيع، قال: نا موسى بن عبيدة، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: إذا سمع القرآن من في الرحمن في القيامة فكأنهم لم يسمعوه قبل ذلك[2].

اعلم أنه غير ممتنع إطلاق الفي عليه سبحانه، كما لم يمتنع إطلاق اليد والوجه والعين.

الرد:

قال المحقق محمد بن حمد الحمود النجدي في تحقيقه على الكتاب قال: إبطال التأويلات جزء 1 صفحة 387

الحديث التاسع عشر:

«كان الناس إذا سمعوا القرآن من في الرحمن تعالى لم يسمعوه قط».

هذا حديث ضعيف جداً أراه لا أصل له، ولو ثبت نقله فموقوف على تابعي، ولا تثبت بمثله صفات الله تعالى، أو لعله وضعه مبتدع ينصر مذهبه.

إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل جزء 1 صفحة 219

 

[1] مرسل ضعيف، محمد بن كعب تابعي ثقة، وموسى بن عبيدة ضعيف.

[2] إسناده كسابقه.