تُعدُّ مسألة الصفات الإلهية الخبرية من أدق أبواب العقيدة وأكثرها إثارة للجدل بين المدارس الكلامية، لما تحمله من نصوص ظاهرها يوهم التشبيه إذا لم تُفهم على الوجه الصحيح. ومن أبرز هذه الصفات: العين، التي وردت في القرآن الكريم بصيغتين: صيغة المفرد، كما في قوله تعالى: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي﴾ [طه: 39]، وصيغة الجمع، كما في قوله تعالى: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [هود: 37]. وقد وقف العلماء عند هذه الظاهرة اللغوية، لبحث معناها ودلالتها، وهل يدل إفراد "العين" على أنها عين واحدة، أم أن المراد منها صفة الكمال التي تليق بالله تعالى دون تحديد عدد أو كيفية؟
من مقالات السقيفة:
إن الجمع بين الإفراد والجمع في سياق واحد لا يعني التناقض أو التباين، بل هو من أساليب العرب في كلامهم، حيث يُراعى السياق اللغوي والبلاغي في إضافة الألفاظ، كما يقال: "أفعل هذا على عيني" ولا يُراد بذلك أن للمتكلم عينًا واحدة، بل يقصد به العناية والرعاية. كذلك فإن استعمال الجمع في مثل قوله تعالى: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر: 14]، جاء لمشاكلة الضمير الجمعي في الآية، وهو من أساليب العربية في التناسب بين الألفاظ. وهذا يشبه تمامًا ما ورد في صفة اليد، حيث جاءت مفردة ومضافة في مواضع، وجمعت في أخرى، بحسب السياق والارتباط بالضمير..
اخترنا لكم:
ذُكِرَت العين المفردة مضافةً إلى الضمير المفرد، والأعين مجموعةً مضافةً إلى ضمير الجمع. وذِكْرُ العين مفردةً لا يدل على أنها عين واحدة ليس إلا، كقولك: أفعل هذا على عيني وأحبك على عيني، ولا يريد أن له عينًا واحدة. وإنما إذا أضيفت العين إلى اسم الجمع ظاهرًا ومضمرًا، فالأحسن جمعه مشاكلةً للفظ، كقوله تعالى: ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ [القمر: 14]، وقوله تعالى: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [هود: 37]. وهذا نظير المشاكلة في لفظ اليد المضافة إلى المفرد: ﴿بِيَدِهِ الْمُلْكُ﴾ [الملك: 1]، ﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ﴾ [آل عمران: 26]. وإن أضيفت إلى ضمير جمعٍ جُمِعَت، وكذلك إضافة اليد والعين إلى اسم الجمع الظاهر، كقوله تعالى: ﴿بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم: 41]، وقوله تعالى: ﴿فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ﴾ [الأنبياء: 61].