من أبرز المسائل العقدية التي ثار حولها الجدل بين أهل السنة والجماعة وبين المخالفين لهم من الجهمية والمعتزلة والرافضة مسألة كلام الله عز وجل بصوت. فقد ورد في السنة أحاديث صحيحة عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، تثبت أن الله سبحانه وتعالى إذا تكلّم بالوحي سمع له صوت كجرّ السلسلة على الصفوان. وقد أنكر الجهمية هذه الأحاديث وردّوها بدعوى أن إثبات الصوت يقتضي التشبيه، بينما أثبتها أئمة أهل السنة والجماعة، ومنهم الإمام أحمد بن حنبل الذي شدّد على كفر من أنكر كلام الله تعالى.

اخترنا لكم:

هذا المقال يعرض الأحاديث الواردة في هذه المسألة كما جاءت في كتاب "السنة" لعبد الله بن الإمام أحمد، مع بيان أقوال العلماء في فهمها وتفسيرها، وردّ الشبهات التي أثارها المخالفون، وبيان موقف أهل السنة الذي يثبت لله ما أثبته لنفسه من غير تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل ولا تكييف. كما يعرض المقال الروايات المقابلة عند الرافضة التي استندوا إليها في تفسير قوله تعالى: ﴿حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ﴾ [سبأ: 23]، ومقارنتها بما ورد في النصوص الصحيحة.

534 - وَقَالَ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ: «حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ» إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سُمِعَ لَهُ صَوْتٌ كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ " قَالَ أَبِي: وَهَذَا الْجَهْمِيَّةُ تُنْكِرُهُ وَقَالَ أَبِي: هَؤُلَاءِ كُفَّارٌ يُرِيدُونَ أَنْ يُمَوِّهُوا عَلَى النَّاسِ، مَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَتَكَلَّمْ فَهُوَ كَافِرٌ، أَلَا إِنَّا نَرْوِي هَذِهِ الْأَحَادِيثَ كَمَا جَاءَتْ.

537 - حَدَّثَنِي أَبُو مَعْمَرٍ، نا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، نا ابْنُ نُمَيْرٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ كُلُّهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْوَحْي سَمِعَ  أَهْلَ السَّمَاءِ لَهُ صَلْصَلَةٌ كَصَلْصَلَةِ الْحَدِيدِ عَلَى الصَّفَا» قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بَعْضُ الشُّيُوخِ عَنْ قُرَّانِ بْنِ تَمَّامٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ أَيْضًا أَبُو مُعَاوِيَةَ بِبَغْدَادَ فَرَفَعَهُ مَرَّةً. السنة لعبدالله بن الامام احمد بن حنبل

الرد:

حديث إذا تكلم الله بالوحي هُوَ مِثْل قَوْله فِي بَدْء الْوَحْي: "صَلْصَلَة كَصَلْصَلَةِ الْجَرَس"، وَهُوَ صَوْت الْمَلَكِ بِالْوَحْيِ، وَأَرَادَ أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِد، فَالَّذِي فِي بَدْء الْوَحْي هَذَا، وَالَّذِي هُنَا جَرُّ السِّلْسِلَةِ مِنْ الْحَدِيدِ عَلَى الصَّفْوَانِ، الَّذِي هُوَ الْحَجَر الْأَمْلَس، يَكُون الصَّوْت النَّاشِئ عَنْهُمَا سَوَاء.

من مقالات السقيفة:

" كجر السلسلة على الصفوان " الصفوان:

 الحجر، فأهل السماء وهم الملائكة يسمعون هذا الصوت كجر السلسلة على الصفوان، والتشبيه هنا للسماع بالسماع لا للمسموع بالمسموع. وهذا نظير قول النبي صلى الله عليه وسلم:"إنكم سترون ربكم كما ترون القمر" فالتشبيه هناك للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي كما سبق.

تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي جزء 1 صفحة 230

وعند الرافضة:

1- علي بن إبراهيم في تفسيره قال: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير[1]) وذلك أن أهل السماوات لم يسمعوا وحيا فيما بين أنبعث عيسى بن مريم عليه السلام إلى أن بعث رسول الله صلى الله عليه وآله.

فلما بعث الله جبرئيل إلى رسول الله، سمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا، فصعق أهل السماوات، فلما فرغ من الوحي، انحدر جبرئيل، كما مر بأهل السماوات، فزع عن قلوبهم، يقول: كشف عن قلوبهم، فقال بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق، وهو العلي الكبير.

_________________________________________________________________

[1] حلية الابرار لهاشم البحراني جزء 1 صفحة 77 الطبعة الاولى مؤسسة المعارف الإسلامية - قم - إيران.